علي حيدر
إسرائيل تستنفر أجهزتها الأمنية تحسباً من عمليات انتقامية لـ«حادثة» بيت حانون

«حادثة» في بيت حانون. بهذه الكلمة وصف المسؤولون الاسرائيليون، السياسيون والعسكريون، المجزرة المروّعة التي ارتكبها جيش الاحتلال في هذه المدينة الفلسطينية المدمرة. «أسفوا» لها. أشاروا الى احتمال حصول خطأ ما في التصويب. تحدثوا عن تشكيل لجنة تحقيق. قالوا إن أحداثاً من نوع كهذا عادة ما تقع في النزاعات العسكرية.
فقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزير الدفاع عامير بيرتس، في ختام مداولات أمنية ترأسها الأول، عن أسفهما «لمقتل مواطنين فلسطينيين في بيت حانون». ووصل حد الوقاحة، في تصريحاتهما، إلى حد عرض تقديم «مساعدات إنسانية عاجلة» وعلاج طبي فوري للجرحى الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي لم يبرد فيه الدم الفلسطيني، أعلن بيرتس أنه على استعداد «لإدارة مفاوضات مع أي طرف فلسطيني يريد السلام».
بدورها، انضمت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني الى المسؤولين الإسرائيليين الذين أعربوا عن أسفهم، لكنها حاولت أيضاً، بشكل ضمني، تبريرها بالقول إن أحداثاً مؤسفة «تقع أثناء الحرب».
ورغم أن أكثرية الشهداء والجرحى الفلسطينيين الذين سقطوا خلال عملية «غيوم الخريف» هم من المدنيين، حتى وفقاً للصحف الإسرائيلية، فقد ادّعت ليفني أن «لا نية لدى إسرائيل بالمسّ بالأبرياء وإنما العمل من أجل الدفاع عن مواطنيها». وفي محاولة لإيجاد نوع من التوازن بين ما يقوم به جيش الاحتلال وما تقوم به فصائل المقاومة، قالت ليفني إن إسرائيل أصبحت بعدما خرجت من غزة «تحت هجمات إرهابية لا تتوقف، ومن ضمن ذلك إطلاق صواريخ قسّام بصورة متواصلة باتجاه تجمعات سكنية في إسرائيل».
وبهدف احتواء أصداء المجزرة في الرأي العام الدولي، قالت ليفني إنها أصدرت تعليمات إلى السفارات الإسرائيلية في أنحاء العالم بالعمل على شرح الموقف الإسرائيلي، وخصوصاً لدى صنّاع القرار في الدول التي يتواجدون فيها.
وكما هي الحال في أعقاب كل مجزرة ينفذها الاحتلال الاسرائيلي، بادر قادة تل أبيب الى الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق بهدف التملص من المسؤولية وامتصاص الغضب والنقمة. وفي هذا الصدد، أمر رئيس الأركان دان حالوتس بتعيين نائب قائد سلاح البر اللواء مائير كليفي، للتحقيق في هذه المجزرة، الذي كان قد ترأس تحقيقاً مماثلاً في المجزرة المشهورة التي ارتكبها سلاح البحرية الاسرائيلي قبل أشهر على شاطئ غزة وقتل خلالها عائلة الفتاة غالية التي لم يمر الوقت الكفيل بمحو صورتها من الأذهان. وتوصل التحقيق عندها إلى أن «لا علاقة للجيش الإسرائيلي بمقتل العائلة».
وبعدما سفكت المدفعية الإسرائيلية من دماء المدنيين الفلسطينيين ما سفكت، أمر بيرتس بوقف القصف المدفعي باتجاه قطاع غزة، وفحص «القصف الخاطئ الذي أدى إلى مقتل مدنيين»، في ما يبدو إعلاناً مسبقاً للنتيجة (القصف الخاطئ).
وتنفيذاً لتوجيهات بيرتس، الذي أمر بـ«إجراء تحقيق سريع» في «حادثة» مقتل الفلسطينيين في بيت حانون وتقديم النتائج والاستنتاجات له بأسرع وقت ممكن، قال قائد الجبهة الجنوبية لجيش الاحتلال اللواء يوآف غالانت، الذي يقع قطاع غزة ضمن مسؤولياته، للإذاعة الإسرائيلية، إنه أمر بإجراء تحقيق في «ما إذا كانت قذيفة مدفعية أطلقها الجيش الإسرائيلي قد انحرفت عن مسارها» وأدت الى مقتل وجرح العشرات من الفلسطينيين. وبرر غالانت القصف المدفعي الإسرائيلي بأنه جاء في أعقاب وصول معلومات استخبارية حول اعتزام مسلحين فلسطينيين إطلاق صواريخ «قسام» باتجاه مدينة عسقلان في جنوب إسرائيل التي سقط فيها أمس 4 صواريخ كهذه.
ورأى غالانت «أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ستؤدي إلى إطلاق سراح» الجندي الأسير جلعاد شاليط، موضحاً أنها تهدف إلى تحويله الى عبء على الشعب الفلسطيني بعدما شكّل أسره إنجازاً وأملاً بتحرير أسرى فلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية. وقال «عندما يكون هناك ضغط عسكري (على الفلسطينيين) فإن الجانب الآخر يدرك جيداً أنه بات لازماً عليه أن يفعل كل ما باستطاعته لمنع هذا الضغط العسكري، ويدرك أيضاً أن جلعاد شليط الذي يعدّونه ذخراً قد يتحول إلى عبء عليهم». وأضاف «في أعقاب ضغط عسكري كهذا سيسارعون بالحضور إلينا من أجل إيجاد حل للموضوع».
أما رئيس حزب ميرتس اليساري المعارض عضو الكنيست يوسي بيلين فقد وازن بين المكاسب والأضرار التي يمكن أن تحلّ بإسرائيل جراء هذه العمليات. وقال إن «الثمن الأخلاقي والسياسي الذي ستدفعه الدولة سيكون أكبر بكثير من الإنجاز الموهوم الذي يمكن أن تحققه في عملية كهذه».
وما إن ارتكبت المجزرة، حتى بادر المفتش العام للشرطة الإسرائيلية موشيه كرادي إلى رفع حالة الاستنفار في جميع أنحاء إسرائيل إلى درجة «ج» وهي درجة واحدة قبل حالة الاستنفار العليا. وعززت الشرطة الإسرائيلية دورياتها حول المؤسسات العامة والمدارس ومحطات الحافلات العامة في أنحاء إسرائيل، كما عززت قوات وحدة حرس الحدود من دورياتها على طول الخط الأخضر بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية بهدف منع تسلل فلسطينيين إلى داخل إسرائيل. ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن مصادر عسكرية إشارتها إلى وجود عشرات الإنذارات الموضعية التي تتحدث عن إمكان تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية.