هآرتس» ــ ألوف بن
تظهر نتائج استطلاع «هآرتس» يوم الجمعة الماضي، قطيعة متزايدة ومقلقة بين مواطني اسرائيل والمنظومة السياسية التي يفترض بها ان تمثّلهم، ذلك ان الجمهور الاسرائيلي فقد الثقة برئيس الوزراء ووزير الدفاع، في الوقت الذي يعملان فيه على توسيع الائتلاف الحكومي وترسيخ وجودهما في المناصب. ويمكن التقدير بأن الملل من حكمهما غير متأتٍّ فقط من نتائج حرب لبنان، بل أيضاً من فقدانهم الأمل في المستقبل.
ها هو أولمرت يفي بما وعد به، ويدير الدولة من دون جدول أعمال، والمشكلة لديه هي في فقدانه صفة القيادة، ما يؤدي الى إفلات إدارة الدولة من يديه. فتوريط قائد المنطقة الجنوبية يوآف غلانت لأولمرت في غزة بعد القصف الدموي لبيت حانون، يظهر مرة أخرى أن سيطرة المستوى السياسي على الجيش تتضمن إشكاليات عديدة.
يحتل «مراقب الدولة» المبغوض من السياسيين الصدارة في وسائل الإعلام، والأصوليون والعلمانيون يعودون الى تخاصمهم، فيما يصب أفيغدور ليبرمان الزيت على نار العلاقات مع عرب اسرائيل، إضافة الى بقاء الجنود المخطوفين في الأسر، ناهيك عن تكرار مشهد انفراط أجهزة الجيش وضمورها في الشرطة والنيابة العامة في سياق محاكمة حاييم رامون.
هناك حيرة لدى رئيس الوزراء، وتقوم تسيبي ليفني بالاقتراح عليه أن يجري مفاوضات مع رئيس السلطة محمود عباس على طريق التسوية الدائمة ليلتف على حماس. أما شمعون بيريز فيقوم مجدداً بإحياء الخيار الأردني من خلال خطة «غور السلام»، في الوقت الذي يقترح فيه ليبرمان تحريك الساحة السياسية وإدخال التغييرات على نظام الحكم. وبنيامين نتنياهو، من جهته، يريد حشد الطاقات الوطنية في مواجهة إيران.
يسمع أولمرت كل ذلك، إلا انه لا يبدي حماسة لأي منهم، فلا يزال يؤمن بإخلاء المستوطنات من الضفة الغربية وترسيم حدود جديدة على الجبال، إلا ان تنازله المتسرّع عن خطة الانطواء تركه من دون شيء. الآفاق السياسية مسدودة أمامه، وبشار الأسد في نظره كاذب، وعباس ضعيف، وحماس معادية. يرفض فؤاد السنيورة لقاءه فيما السلام مع لبنان لا يثير اهتمام الجمهور الاسرائيلي، علماً ان المواجهة العلنية مع إيران، «العدو الوجودي»، بدلاً من عملية السلام، ستزيد فقط من القلق الوطني ولن تبعث الآمال في النفوس.
تورّط أريئيل شارون في صيف عام 2003 في الضائقة نفسها: انهيار سياسي وهبوط مكانته في استطلاعات الرأي، إضافة الى ملفات التحقيق في حقه، لكنه وجد لنفسه أجندة من خلال الانسحاب من غزة، التي اندفع بها الى الأمام، ولم يغير لديه شيئاً انه عارض فكرة الانسحاب في السابق. وعلى رغم ان خطة فك الارتباط أدخلته في صراعات سياسية غير سهلة، إلا ان الجميع أدرك أنه هو من يقود الدولة ويدرك الى أين يسير بها، علماً ان وسائل الإعلام اصطفت حوله وأرسلت التحقيقات الى القمامة، وكان في إمكانه ان يفوز بولاية ثالثة لولا دخوله في غيبوبة.
إذا رغب أولمرت في البقاء سياسياً والتخاصم مع مراقب الدولة، فعليه ان يعيد حساباته، وإذا واصل ألاعيبه السياسية للبقاء، فسيزاح عن الحكم كمشهد عابر ومؤقت. أما إذا واصل شلّ القيادة، فسيتحسّر على العشرين في المئة من تأييد الجمهور الاسرائيلي، كما يظهر آخر استطلاع للرأي.
رفع أولمرت في خطاباته الأخيرة رايات عديدة: تغيير نظام الحكم، صياغة دستور، إعمار الشمال، تسوية مع الفلسطينيين، مواجهة ايران، السلام مع لبنان، التصدي لحماس ومعالجة الفقر، وكلها أهداف وغايات جميلة، لكن عليه أن يختار بينها، ذلك ان رئيس الحكومة يملك في العادة فرصة واحدة في ولايته لتحديد هدف مركزي والتقدم نحوه، وليس في إمكانه اختيار خمسة مسارات متوازية في وقت واحد.
يتوجه أولمرت في الأسبوع المقبل الى الولايات المتحدة، وسيسمع من جورج بوش عن توجّه الادارة الاميركية خلال السنتين المتبقيتين من ولايته وإذا كان في نيته بذل جهود دبلوماسية في الشرق الأوسط. إن فهم الموقف الاميركي ضروري لتقويم الوضع، لكن على أولمرت ان يوضح للجمهور الاسرائيلي فور عودته من واشنطن الى أين ينوي المسير من الآن وصاعداً.