حيفا ــ فراس خطيب
هرب إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن... فرفضت فتح أبوابها

قصة تشغيل الجاسوس الإسرائيلي في الولايات المتحدة جوناثن بولارد، التي تطفو إلى السطح مع كل زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الولايات المتحدة، فضحتها أمس القناة الإسرائيلية العاشرة، مشيرة إلى أن بولارد، الأميركي الجنسية، عمل لصالح الدولة العبرية عام 1984، ونقل إليها معلومات حساسة جداً نتيجة عمله في الاستخبارات الأميركية.
وكشف رونالد اوليف، الذي تولّى التحقيق في قضية بولارد، تفاصيل تُعرف للمرة الأولى. قال إنّ بولارد كان «إنساناً ذكياً جداً ويملك خيالاً تصويرياً نادراً»، مضيفاً إنّ قضيته كانت واحدة من «الإخفاقات الكبيرة التي قامت بها أجهزة الأمن التابعة للحكومة الأميركية»، ومشيراً إلى أنه «لم يبق هناك أي جهاز استخبارات، إلا واشترك في التحقيق في قضية بولارد».

بدأت قصة بولارد، بحسب اوليف، بعدما تم رفض انضمامه إلى جهاز الـ«سي آي إيه»، نتيجة تورطه في قضايا مخدرات، فانضم إلى جناح الاستخبارات الأميركي وعمل في أحد المكاتب السرية في ولاية ميريلاند وحصل على ترقيات عديدة نتيجة تفوقه في العمل. استطاع، خلال فترة وجيزة، أن يكون واحداً من أكثر المطّلعين على ملفات الاستخبارات الأميركية، وأن يتصل أيضاً بكل شُعب الاستخبارات، وأن يكون مطّلعاً على كل ما يجري في كل منها.
وقال اوليف «في حزيران عام 1984، رأى بولارد الفرصة المناسبة لأن يتحول إلى جاسوس. اتصل به صديق من نيويورك وأخبره أنّه التقى جنرالاً في سلاح الجو الإسرائيلي، اسمه افييم سيلع». وحسب التحليلات الأميركية الحديثة، فإنّ بولارد كان بحاجة إلى «ترميم كبريائه»، و«لفت الأنظار إليه». وعندما أبلغه صديقه بهذه المهمة، أبلغ بولارد صديقته إيين «هذا هو الوقت لأكون جاسوساً، سأعمل لصالح إسرائيل»، فردّت عليه صديقته «لا مشكلة عندي، هيا لنفعل هذا».
التقى بولارد الجنرال سيلع، في فندق «هيلتون». وقال أوليف «استغرق بولارد خمس دقائق فقط ليعلم سيلع بأنه سيصبح جاسوساً لإسرائيل»، مشيراً إلى أن بولارد أبلغ الجنرال الإسرائيلي أنّه «مطّلع على معلومات تابعة لوزارة الدفاع الأميركية ولمجلس الأمن القومي والاستخبارات». أضاف بولارد «أستطيع نيل معلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) ومركز الإنذارات ضــــد الإرهاب وشعبة الاستخبارات. وأســـتطيع نيل معلومــات عـــن كـــل شـــيء تطــــلبه مني».
في اللقاء الثاني الذي جمع الجنرال سيلع وبولارد، جلب الأخير معه مستندات كثيرة وصوراً من ضرب المفاعل النووي العراقي. يضيف أوليف إن بولارد دخل بيته ذات يوم حاملاً حقيبتين كبيرتين تحتويان على مستندات ومعلومات هامّة، مشيراً إلى أن المعلومات «ليست فقط مهمة، بل حساسة».
وفي تشرين الثاني عام 1984، سافر بولارد إلى باريس للقاء «رئيسه في العمل» رافي ايتان، رئيس حزب المتقاعدين حالياً ووزير في حكومة إيهود أولمرت. وأثناء اللقاء، منح ايتان اسماً جديداً لبولارد، «داني كوهين»، في إشارة إلى الجاسوس الإسرائيلي في سوريا إيلي كوهين، الذي أعدمه السوريون، ولا يزال الإسرائيليون يعتبرونه «أسطورياً».
وفي تلك الجلسة، حدّد ايتان راتباً لبولارد وصل إلى 1500 دولار. وأبلغ ايتان بولارد أنّ تعاونه مع الإسرائيليين كان «رائعاً حتى الآن».
وعاد بولارد إلى الولايات المتحدة وبدأ عمله. صار يُخرج صناديق يومية تملؤها المستندات من أجل تسليمها إلى الإسرائيليين. ويقول اوليف إنه «في يوم واحد، وبين الساعة السادسة حتى الحادية عشرة ليلاً، استطاع بولارد أن يخرج ويدخل ما يقارب 20 مرة، وأخرج صناديق مستندات تحتوي على معلومات هامّة وحساسة. ووصل إلى القنصلية الإسرائيلية وفي يديه خمس حقائب كبيرة».
حتى الثامن من تشرين الثاني، وقبل عشرة أيام من القبض عليه، لم يتشكّك أحد بـ«صدقية بولارد». إلا أنّ «قلة الحذر» التي امتاز بها، جعلت أحد العاملين في المكتب يشك في أنّ «تصرفاته غير طبيعية». وفي تلك الفترة، أحدث بولارد مشاغبات في ساحة المبنى ما جعل ضباط الأمن يشكون فيه أكثر. وفي نهاية الأسبوع نفسه، نصب ضباط الأمن في غرفته كاميرات مراقبة.
بعد نهاية الأسبوع، دخل بولارد إلى مكتبه حاملاً حقيبة أعطاه إياها الإسرائيليون من أجل وضع المستندات فيها. وبعد مراقبة على مدى أسبوع، قدّرت أوساط أميركية مطلعة أنّ هذه الممارسات التي قام بها بولارد خلال أسبوع كانت نفسها على مدار 18 شهراً.
وفي اليوم الأخير من عمله، قرّر بولارد أن يشحن حقيبة المستندات الأخيرة وألّا يعود إلى المكتب، إلا أنّ الاستخبارات الأميركية داهمته مع صديقته في بيته. واستطاع بولارد الهرب باتجاه السفارة الاسرائيلية في واشنطن، بحسب التعليمات التي تلقّاها من مشغليه، لكنّ المسؤولين في السفارة لم يفتحوا له الأبواب وتم القبض عليه ولا يزال قابعاً في السجن حتى اليوم.
وكانت زوجة بولارد قد استغلت وجود أولمرت في واشنطن لتوجه أمس رسالة إلى الرئيس الأميركي تطلب فيها منه إطلاق سراح زوجها المسجون في السجون الأميركية منذ 21 عاماً.
وقالت إيستر بولارد، في مقابلة مع موقع «يديعوت أحرونوت» على الإنترنت «نحن نعلم أن الرئيس بوش مستعد للعفو عن بولارد، وأنا أشدّ على يديه للقيام بالأمر الصائب. لا تدع جهات مختلفة تحدد القرار الذي يعود لك أنت فقط». وهاجمت بولارد التعاطي الإسرائيلي الرسمي مع ملف زوجها، معتبرة أن دولة إسرائيل «تختار التخلي عن أبنائها»، وأن أولمرت «يتجاهل عن قصد كل الموضوع الذي يسمى بولارد».



قدم بولاردالتماساً إلى المحكمة الإسرائيلية العليا لإلغاء تعيين رافي إيتان وزيراً، معتبراً أنه «يشكل خطراً على العلاقات الأميركية ـــ الإسرائيلية كونه يملك مستنداً سرياً لا يريد تسليمه إلى الأميركيين».
وقال بولارد إن «ايتان تخلّى عنه »، معتمداً على شهادة ايتان بأن «بولارد عمل من دون استشارة الحكومة الاسرائيلية»