«هآرتس» ــ ألوف بن
يمكن فهم زيارتي أولمرت القصيرتين لواشنطن، وفقاً للنظرة إليه: رجل أعمال حاذق وداهية أم قائد تائه وحائر.
واجه أولمرت، صاحب الصفقات، قادة اسرائيل طوال أربعة عقود بفكرة أن تصريحاتهم السلمية هي غطاء زائف لإبقاء السيطرة على المناطق. كانوا يتحدثون في الخارج عن التسوية، ويبنون في الداخل المزيد من المستوطنات، الى أن جاء أولمرت وقال لبوش في شهر أيار من هذه السنة: خذوا 90 في المئة من الضفة الغربية مجاناً، المهم أن تدعونا نخرج. انسحاب أرييل شارون أحادي الجانب من غزة أضفى الصدقية على فكرة الانطواء وتسبب في رفع الضغط عن اسرائيل.
قَبِل «العالم» ادعاء أولمرت بأن حماس ليست شريكاً في أي أمر، وأُلقيت «الكرة» الشهيرة المتمثلة في المسؤولية عن الجمود السياسي في عمق الملعب الفلسطيني.
وتوصل أولمرت حينها الى حبكة العمر. صدق بوش وقادة آخرون أنه يرغب في إنهاء الاحتلال والانسحاب من المناطق على رغم أنه لم يخلِ أي مستوطنة ولم يدفع ثمن التمزق الداخلي والأزمة السياسية التي رافقت عملية فك الارتباط عن غزة. تسارع البناء في الكتل الاستيطانية كذلك. ولكن الموضوع الجغرافي أُزيح عن جدول الأعمال، على الأقل، الى أن يظهر «الشريك» من أنقاض السلطة الفلسطينية.
عاد أولمرت هذا الأسبوع الى واشنطن وهو يشعر برياح التغيير. تدل المؤشرات كلها على أن إدارة بوش منكبة على بلورة سياسة جديدة في الشرق الأوسط. يتحدث الجميع عن التغيير والانسحاب من العراق والتحاور مع طهران ودمشق والتدخل الجديد بين اسرائيل والفلسطينيين. اتبع أولمرت هذه المرة نهجاً معاكساً. بدلاً من عرض المناطق دفعةً أولى، مثلما حدث في زيارته الأولى، قال «لا» لكل تغيير في الموقف الأميركي، فهو حذر من الانسحاب المتسرع من العراق وعارض التفاوض مع سوريا وطالب بإخافة ايران ورفض المؤتمر الدولي وأصر على اعتراف الحكومة الفلسطينية بإسرائيل.
بهذه الطريقة يتصرف التاجر الجيد: يخفض الأسعار عندما يكون الطلب منخفضاً، ويرفعها عندما يزداد. ستُلزم المواقف الأولية المتشددة، التي طرحها أولمرت على بوش، الإدارة الاميركية الى حين التوصل إلى تفاهم مع اسرائيل على أي انعطافة في السياسة الأميركية. وعندها سيكون في إمكان أولمرت أن يطرح مطالب مضادة والحصول على الثمن بدلاً من التنازل المسبق.
الحبكة الثانية: توجه أولمرت في زيارة لا داعي لها الى واشنطن، وهو مثخن ومهان من حرب لبنان، ومن انخفاض شعبيته في الاستطلاعات، والاتهامات الموجهة إليه بالفساد في الداخل. الصعود الى «طائرة رئيس الوزراء» مع عشرات الصحافيين والمرافقين الملازمين يحوّل كل سياسي داخلي الى رجل دولة. كم هو لطيف أن يهرب الواحد لأيام قلائل من المشاكل الداخلية وتعزية بوش على هزيمته في انتخابات الكونغرس واللقاء بكبار المتبرعين في الجالية اليهودية.
ولكن سرعان ما اتضح لأولمرت، خلال رحلته الى واشنطن، أن الأخسّاء هناك قد غيّروا قواعد اللعب، وأن الإدارة الأميركية تبحث عن طريق للخروج من الوحل العراقي ومن الشلل السياسي في الشرق الأوسط.
في ظل غياب خطة أو أجندة خاصة ــ سوى السعي إلى البقاء في الحكم ــ تشبث أولمرت بمواقف محافظة وطرح قائمة طويلة من اللاءات. تلخصت مرونته بـ«نعم ولكن». سيسعدني لقاء أبو مازن، ولكن ليس الاستجابة لمطالبه، وأنا مع التسوية مع ايران ولكن إذا أخافوها، وسأتفاوض مع الأسد ولكن بعد أن يتغير.
هناك منطق في هذا التوجه. كل انحراف أو انعطاف قد يشعل جدلاً داخلياً ويزعزع البنية السياسية الهشة التي تُبقي على حكم أولمرت. من الخسارة أيضاً المخاطرة بأمور لا داعي لها حيث لا يزال الأميركيون يتخبطون في مسارهم. من يعرف ما الذي سيقررونه ومتى. في الوقت الحالي، يمكن كسب الوقت فقط.