مهدي السيد
تتجاذب النظرة الإسرائيلية إلى حل «مشكلة» المقاومة في قطاع غزة ثلاث نزعات: أولها اعتراف ضمني بالفشل أمامها، ثانيها مكابرة على الإقرار بذلك من الناحية العملية، وثالثها حذر من السقوط في فخ العودة إلى احتلال القطاع، بوصفه الحل الوحيد الذي لم يُجرب بعد، رغم الجزم المسبق بعدم جدواه

بدأت ترشح إلى العلن حالة العجز واليأس التي تسود الجيش الإسرائيلي في مواجهة تصميم المقاومة الفلسطينية وقدرتها على البقاء والاستمرار. وأجمعت التقارير الإعلامية الإسرائيلية أمس على أن الجيش الإسرائيلي أصبح يعترف بعد صليات القسام الأخيرة بعدم وجود حل لقضية الصواريخوذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن تقديرات جيش الاحتلال كانت تشير إلى أن توسيع حجم الإصابات في صفوف الفلسطينيين سيؤدي إلى التفكير مجدداً بشأن جدوى مواصلة تنفيذ العمليات ضد إٍسرائيل، ومن بينها إطلاق صواريخ «القسام»، إلا أن الجيش أصبح يقر الآن، بأنه رغم سلسلة الحملات العسكرية التي قام بها في الأشهر الأخيرة، والتي استشهد فيها أكثر من 300 فلسطيني، فإن ذلك لم يؤثر على معنويات المنظمات الفلسطينية التي لا تزال مرتفعة.
وأشارت الصحيفة إلى أن «العمليات العسكرية» التي نُفذت أخيراً في قطاع غزة، في إطار ما سُمي «غيوم الخريف» كانت تهدف إلى ضرب المنظمات الفلسطينية ومنظومات الصواريخ وورشات الإنتاج وخلايا القسام التي استُهدف منها 11 خلية، إلا أن كل ذلك لم يؤد إلى وقف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، بل العكس، فقد زاد إطلاق الصواريخ، وباتجاه عسقلان أيضاً.
ورأت صحيفة «معاريف»، من جهتها، أن «مرحلة الأوهام انتهت» داخل الجيش الإسرائيلي، وأن «الإنهاك بدا واضحاً جداً في المداولات الأمنية»، مشيرة إلى أن «محافل في المؤسسة الأمنية بدأت تعترف بالفم الملآن بأنه ليس لدينا حل لنار القسام، وعلى سكان سديروت والنقب الغربي التسليم بهذا الواقع».
وتضيف الصحيفة إن الجيش جرب كل شيء، فـ«التصفيات تقلل وتيرة النار ولكنها لا تحل المشكلة. وكذلك قصف المخازن ومنشآت انتاج القسام، كما ثبت أن سيطرة الجيش الإسرائيلي على مناطق محدودة في عمق قطاع غزة لا تؤدي الى وقف النار، بل قد تصعدها بالذات. كما أن الجيش الإسرائيلي أدخل في الأشهر الأخيرة إلى العمل أجهزة شمولية لمعالجة وسائل إطلاق القسام من بعيد، ولكن إنجازاتها محدودة للغاية. أما محاولات تطوير منظومة اعتراض للقسام فتسير ببطء». وتتابع الصحيفة: «درة تاج عمليات الجيش في الأشهر الأخيرة كانت القصف المكثف لعمق قطاع غزة بواسطة المدافع، ولكن هذا أيضاً لم يؤدِّ إلى الخلاص».
وتجزم الصحيفة مسبقاً بأن جيش الاحتلال لن يجد «أفكاراً إبداعية لمعالجة مشكلة القسام قريباً»، وتشير إلى أن الأمر الوحيد الذي لم يُجرب بعد، وهو عملية واسعة على نمط السور الواقي، بعيد عن أن يشكل «الحل السحري»، لأنه يتطلب تجنيد عدد من فرق الاحتياط، وهذه عملية تستغرق أشهراً، لأن «دروس لبنان تفيد بأن على الجيش تدريب الاحتياط وترميم ثقتهم بالقيادة، قبل تجنيدهم مرة أخرى». لكن حتى إذا حصل ذلك، بحسب «معاريف»، فإنه لن يضمن وقف القسام، «وسيجد الجيش الإسرائيلي نفسه مسيطراً على مئات الآلاف من السكان الفلسطينيين، وآجلاً أو عاجلا سيخلي المنطقة وستستأنف النار».
وتشير «معاريف» إلى جانب آخر من الصورة، يتعلق بثقة الجيش بنفسه، وثقة الآخرين به. فالأولى، بحسب الصحيفة، «متردية»، والثانية، يشي بها ما يدور في أروقة «القيادة السياسية التي لا تثق تماماً بقدرته (الجيش) على تنفيذ عملية عسكرية واسعة في عمق القطاع تضمن وقف النار. وبالتأكيد ليس في هذا التوقيت، الذي لم تلتئم فيه بعد جراح الحرب في لبنان».
وتخلص «معاريف» إلى أن الأمر يبدو «محرجاً للغاية، لكن قادة الجيش الإسرائيلي يبثون في الآونة الأخيرة إحساساً بالعجز في ضوء شلل سديروت والإصابات التي وقعت فيها هذا الأسبوع». وتختم بالإشارة إلى أن وزير الحرب عامير «بيرتس والجيش الإسرائيلي لا يبثان على الموجة نفسها بالنسبة لمشكلة القسام. فبينما يميلون في الجيش الإسرائيلي إلى حلول أكثر عسكرية من خلال ممارسة الضغط الكبير على قطاع غزة، يتحدث بيرتس بقدر أكبر، عن الحاجة إلى «حل سياسي». غير أن بيرتس وكذا كبار رجالات الجيش الإسرائيلي يعرفون أن الحل السياسي والحل العسكري غير موجودين الآن على جدول الأعمال».
وفي ظل هذا الواقع المأزوم، أطلق نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي، شمعون بيريز، تحذيراً من الغرق مجدداً في وحول غزة، مشيراً إلى أنه «ممنوع العودة والدخول إلى وحل غزة». وأضاف بيريز، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، إنه «يجب البحث عن حلول تكنولوجية وعملية لإطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية وممارسة الضغط من أجل منعها». كما نقلت تقارير إعلامية إسرائيل عن مصادر عسكرية تأكيدها أن عامير بيرتس غير معني باحتلال مناطق في قطاع غزة. وتوقعت المصادر نفسها أن يقوم الجيش بتنفيذ حملات عسكرية في عمق الأراضي الفلسطينية، كحملة «غيوم الخريف» الأخيرة. كما توقعت توسيع عمليات الاغتيال ضد كبار القادة في المنظمات الفلسطينية.
كما ألمحت المصادر إلى أنه إذا لم يحصل أي تغيير في عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، فمن غير المستبعد أن يقرر المستوى السياسي إصدار الأوامر للجيش باحتلال مواقع على أطراف قطاع غزة من أجل خلق حزام أمني لإبعاد المنظمات الفلسطينية عن الحدود مع إسرائيل.
وأفادت تقارير إسرائيلية إنه، إلى جانب العمليات العسكرية الواسعة والمتوقعة، فإن الطواقم الأمنية التي يركزها المدير العام لوزارة الأمن، غابي أشكنازي، تواصل البحث عن طرق تكنولوجية من أجل مواجهة صواريخ القسام. ومع ذلك، فإن عناصر في الجيش تعترف بأن الحديث هو عن محاولة، نتائجها لا تزال يكتنفها الضباب، وأن الاستثمار المالي فيها يشكل عبئاً على وزارة الأمن.