مهدي السيد
صراعه مع أولمرت يزداد حدة... وتساؤلات عن مسؤوليته الفعلية عن فشل العدوان على لبنان

استحوذ الخلاف الشخصي ــ السياسي بين رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع عامير بيرتس، على الحلبة السياسية الإسرائيلية على خلفية سلسلة الإخفاقات الأمنية التي شهدتها إسرائيل منذ تأليف الحكومة الحالية، بدءاً من أسر الجندي جلعاد شاليط، مروراً بعملية الأسر التي نفذها حزب الله وما تلاها من عدوان إسرائيلي فاشل، وصولاً إلى إقرار المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل بالعجز عن وضع حد لإطلاق صواريخ «القسام».
وبلغت تجليات هذا الخلاف أوجها من خلال المطالبة باستقالة بيرتس من وزارة الدفاع، وتعرضه لحملة سياسية وإعلامية شديدة بهدف دفعه إلى خطوة كهذه، وهو ما ظهر في تحليلات الصحف الإسرائيلية كافة.
في هذا المجال، وصف المحلل الرئيسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنيع، بيرتس بأنه «في هذه الأيام شخص حزين، مثخن. ربما كنت مخطئاً في حقه، ولكن يبدو لي أن الوميض الذي لمع في عينيه قد خبا». ويعزو برنيع سبب الحالة المزرية التي يعيشها بيرتس إلى «العدد الكبير من الملفات الذي سقط على رأسه جملة واحدة: الحرب في لبنان، صواريخ القسام في سديروت، انهياره التام في الاستطلاعات، الأنصار الذين هجروه، والتصادم المباشر وغير المحبوب بينه وبين رئيس الوزراء». وأضاف برنيع أنه «في مثل هذه الأوضاع، يوجد كالعادة بريق من الأمل وبشرى ينتظرونها. ولكن ما الذي يمكن لعامير بيرتس أن ينتظره من السماء؟».
وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي في «معاريف»، بن كسبيت، «أن الشيء الأكثر غرابة في هذه القضية هو أن بيرتس ليس بالضرورة وزيراً سيئاً للدفاع. بل إن خيار أن يكون وزير الدفاع شخصاً مدنياً لم يسقط بعد. وقد تخرج لجان التحقيق بقرار يفيد بتنقيته وإخراجه نظيفاً من المسؤولية عما جرى في حرب لبنان».
بيد أن كسبيت، رغم موقفه المشار إليه من بيرتس، يعود للتشكيك بصحة بقائه في وزارة الدفاع من بوابة الوضع السيئ للمؤسسة العسكرية، حيث يشير كسبيت إلى أن «الجمود يسود كل هذه المؤسسة، لا توجد اقتراحات، ولن يكون عامير بيرتس هو الشخص الذي سيتمكن من إعادة الحياة إليها ولا أن يوقفها من جديد على أقدامها؛ فهو بحاجة إلى إيقاف نفسه على قدميه أولاً، فعندما يدخل إلى الغرفة، ترى القادة يقفون له بكسل، حيث تحول منذ وقت ليس بقصير إلى شخصية تحتفظ باللقب من دون مضمون. يبدو أن هذه النظرة باتت تلاحقه وأخذت تسود أوساطاً أقل في مستواها وقربها نتيجة لما أصبحت عليه هذه النظرة العامة إليه كوزير للدفاع».
ويضيف كسبيت أنه «بدلاً من أن يقوم بيرتس بخطوة ما لإنقاذ نفسه وشخصيته، يتمسك ويغرس قدميه في الأرض أكثر فأكثر، بدلاً من أن يفهم مكانته وموقعه ويأخذ القرار اللازم والصائب».
وسلكت «هآرتس» المسار ذاته في افتتاحيتها، حيث دعت إلى ضرورة إزاحة بيرتس عن وزارة الدفاع بحجة الأوضاع الأمنية الخطيرة التي تتطلب وزيراً يتمتع بالخبرة والدراية الأمنية، لا شخصاً يقوم بالتعلم على إدارة هذه الأمور في خضم الأزمة، في إشارة واضحة إلى بيرتس.
وتوقفت «هآرتس» عند الأسباب التي دفعت بيرتس إلى اختيار منصب وزير الدفاع، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق باعتبارات المكانة، لأن هذا المنصب هو الثاني في أهميته الائتلافية بعد منصب وزير المالية الذي حرم منه.
وأشارت «هآرتس» إلى الفارق بين بيرتس وأسلافه من وزراء الدفاع المدنيين، فقالت إن «كثيرين من وزراء الدفاع السابقين ممن لم يكونوا ذوي رتب عسكرية رفيعة، إن لم يكونوا جميعاً، تميزوا بالفهم وبالتجربة في مجال الأمن والاستراتيجية والسياسة الخارجية. أما بيرتس فلم يختص في هذه الشؤون على مدى حياته كنائب عادي، ومع ذلك تخلى حتى وقت أخير مضى عن تعيين نائب ذي خبرة أمنية».
وحاولت «هآرتس» أن تنصف بيرتس بعض الشيء من خلال القول إنه لا يتحمل وحده تبعات أخفاق العدوان على لبنان، فيما الضغط منصب عليه فقط. وبحسب الصحيفة، فإن «حرب لبنان الثانية لا تزال قيد التحقيق، ولكن واضح للجميع أنها أُديرت بانعدام كفاءة. فوزير الدفاع يوجد في الوسط، في القيادة فوق رئيس الأركان وتحت رئيس الوزراء. وهو يستحق الشعور بقدر ما من الظلم، عندما لم تستجب بعد نداءات الاستقالة لإيهود أولمرت ودان حالوتس، فيما الضغط السياسي والجماهيري عليه لإخلاء كرسيه بات أثقل من أن يحتمل».
وإذ أشارت «هآرتس» إلى أن «حرب دولة اسرائيل لم تنته في المعركة في لبنان، وأن أمامها مخاطر كبيرة، وحاجة حقيقية للبحث عن مسارات سلام»، رأت أن «هذه المهمة أكبر على ما يبدو من قوة أولمرت وبيرتس»، وبالتالي فإن «الأمل الوحيد يكمن في أن تنجح هذه الحكومة بإجراء تغيير شخصي في القيادة وبلورة مجموعة وزراء يمكنها أن تعمل بانسجام».
وختمت «هآرتس» باقتراح يجمع بين الحفاظ على مكانة وهيبة بيرتس لكونه زعيماً لحزب العمل، وتعيين وزير للدفاع قادر على مواجهة التحديات التي تواجهها إسرائيل، فرأت أنه «يمكن أن نتوقع من حزب قديم ومسؤول مثل حزب العمل أن يعرف كيف يغير تركيبة الوزراء بشكل يواصل فيه بيرتس القيادة لمعسكر السلام، فيما أن شخصاً آخر يقود وزارة الدفاع، ليعمل بخبرة على ترميم الجيش، وإعداده للاختبارات المصيرية وإعادة ثقة الجمهور به».