«هآرتس» - ألوف بن
هناك شيء تغيّر عند إيهود أولمرت بعد الحرب في لبنان. سلوكه أصبح أقل حزماً وأكثر تباطؤاً. الشخص الذي هدد الفلسطينيين واللبنانيين ذات مرة بـ«الرد المؤلم» يحذّر الآن من إطلاق التصريحات التي قد ترتد الى نحره. القائد الذي طرح مشروعاً جريئاً لوضع حدود للدولة، وقرر خلال ساعتين الخروج الى الحرب في لبنان، يحاول الآن كسب الوقت بصورة أساسية.
ينشغل أولمرت، في الاسابيع الأخيرة، في صد الضغوط التي تنهال عليه من نوعين: ضغوط حرب وضغوط سلام. قائد المنطقة الجنوبية يوآف غالنت، ورئيس «الشاباك» يوفال ديسكن، يريدان إرسال الجيش في عملية واسعة في قطاع غزة حتى يُفرمل تعاظم القدرات العسكرية الفلسطينية ويقمع منظومة انتاج الصواريخ وإطلاقها. لم يتحمس أولمرت لهذه الفكرة حتى قبل اختطاف جلعاد شاليط والحرب في الشمال، والآن أيضاً هو يفضل إفلات الحبل في كل مرة لتصعيد تدريجي بدلاً من شن «السور الواقي - 2». يرتكز أولمرت على معارضة رئيس هيئة الأركان دان حالوتس للحرب في غزة، وعلى الحماسة القليلة في صفوف الحكومة والجمهور لهذه العملية.
يريد الجمهور، بحسب كل الاستطلاعات والأقاويل في الشارع، قيادة تحدد له الاتجاه وتعطيه الأمل في مواجهة تعاظم القوة الإيرانية وأمطار «القسام» والكآبة العامة. ويجد أولمرت، الذي أكثر هذا الأسبوع من خطاباته العلنية، صعوبة في الوقت الحالي في توفير المطلوب.
أثارت الحرب ونتائجها محاسبة للنفس، ليس فقط في القيادة، بل أيضاً في الهيئات والأوساط التي تعكف على التفكير الاستراتيجي والسياسي. أكمل مركز أبحاث «ريئوت» برئاسة غيدي غرينشتاين، هذا الاسبوع، إعداد وثيقة حول السياسات تحت عنوان «الإرهاب هو تهديد وجودي». تقترح الورقة إعادة النظر في الاستراتيجية القومية الاسرائيلية. رسالتها الأساسية هي أنه بدلاً من النظر الى الإرهاب كإزعاج، يستحقّ رداً عسكرياً موضعياً»، يجب أن يُنظر اليه كجزء من «منظومة مقاومة» تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل.
«منظومة المقاومة» تشمل ايران وسوريا وحزب الله وحماس والفصائل الإرهابية الأخرى، والمناطق التي يكون فيها الحكم باهتاً مثل سيناء كذلك التنظيمات اليسارية الأوروبية. كل هذه الأطراف تعمل كشبكة غير مترابطة، لكنها متناغمة بالضرورة، وذات هدف واحد: القضاء على اسرائيل وإقامة دولة عربية - إسلامية في فلسطين مكانها.
«منظومة المقاومة» موزعة ومراوغة وتعترف بالتفوق العسكري الاسرائيلي وتقوم بزعزعة هذا التفوق من خلال الوسائل السياسية. تعارض «منظومة المقاومة» إنهاء الاحتلال في المناطق خشية تحويل الصراع الى مساومة على الحدود، لذلك تسعى الى توريط اسرائيل في حروب استنزاف تقضم قوتها. تلاشي التأثير الاميركي في المنطقة أضعف اسرائيل أيضاً في مواجهة «منظومة المقاومة» هذه.
الاستنتاج الذي يتوصل اليه مركز «ريئوت» مقلق: «منظومة المقاومة نجحت في إدخال اسرائيل في وضع استراتيجي دونيّ». بكلمات أخرى، سبر محمود أحمدي نجاد، وخالد مشعل وحسن نصر الله غور الشِفرة الاسرائيلية ووجدوا رداً يزيل التفوق العسكري الإسرائيلي. يستطيع الجيش الإسرائيلي ضرب لبنان والفلسطينيين مرة تلو الأخرى، ومع ذلك يتواصل الضمور الاسرائيلي. الوثيقة تُظهر كيف أصبحت النظريات الأمنية الاسرائيلية المرتكزة على القوة العسكرية غير ذات صلة في مواجهة التهديدات الجديدة.
في تقدير الخطر المحدق باسرائيل، تتبنى الوثيقة منطق بنيامين نتنياهو الذي يحذر منذ عشرين عاماً أن الإرهاب هو التهديد الوجودي لاسرائيل وللغرب، ويدعو الآن الى حشد الطاقات قومياً في مواجهة ايران وحلفائها. لكن التوصيات معاكسة. يريد نتنياهو استخدام المزيد من القوة وعدم التزحزح عن ملليمتر في المناطق. أما معهد «ريئوت» فيقترح تعزيز العامل السياسي في الرؤية الأمنية وبناء تحالفات مع دول معتدلة في المنطقة على أساس مبادرات السلام العربية والسعي الى تحويل الصراع مع الفلسطينيين الى نزاع حدودي ـــ وهو تلميح واضح لانسحاب آخر وإخلاء المستوطنات في الضفة الغربية.