علي حيدر
دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة مع تواصل جغرافي تتمتع بسيادة كاملة وتضمن الازدهار

وجّه رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت أمس رسالة سياسية أضفى من خلالها على اتفاق وقف النار أبعاداً أوسع وأشمل من كونه اتفاقاً عابراً أملته ظروف ميدانية، فطالبالفلسطينيين بتأليف حكومة جديدة توافق على شروط الرباعية الدولية وتتبنّى خريطة الطريق وتعمل على إطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط، وتتخلى عن خيار المقاومة وعن حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وتعهّد، في المقابل، إقامة دولة فلسطينية مع تواصل جغرافي بسيادة كاملة وحدود محددة، وإطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين وإخلاء أراض كثيرة، والمستوطنات التي بُنيت عليها في الضفة الغربية.
وفي كلمة ألقاها في «سديه بوكير» في النقب في الذكرى السنوية لأول رئيس وزراء لدولة اسرائيل، دايفيد بن غوريون، قال أولمرت، في سياق عرضه لما سمّاها «تسهيلات» إسرائيلية للفلسطينيين، «أنا أفهم أهمية مشكلة الأسرى لديكم في المجتمع الفلسطيني، وأعلن أن إسرائيل مستعدة لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين كثر، بما في ذلك المحكومون لفترات طويلة، في مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط سالماً ومعافى وعودته الى عائلته».
وحاول أولمرت، في المكان نفسه الذي أطلق منه فكرة الانفصال الأحادي عن الفلسطينيين مستنداً في ذلك الوقت إلى الخطر الديموغرافي، ألّا يبدو بمظهر الخاضع للمطالب الفلسطينية كما سبق أن تعهد عدم تحرير أسرى فلسطينيين في مقابل إطلاق شاليط. وقال «لقد قلت ذلك قبل خطف جلعاد شاليط ولم أغير رأيي، أعرف أن عائلات فلسطينية كثيرة تنتظر اللحظة التي يعود فيها أقاربها الى المنزل»، مشيراً إلى أن هذا الامر «يمكن أن يحدث في وقت قريب جداً».
وحاول أولمرت أن يؤلب الفلسطينيين بعضهم على بعض بقوله «أنا أؤمن بأن كثيرين منكم تعبوا من الثمن المرعب الذي تدفعونه بسبب التطرف العنيف للمنظمات الإرهابية التي تسيطر على شوارعكم».
وألقى أولمرت الكرة في الملعب الفلسطيني. وقال «تألّفت عندكم حكومة جديدة تكون ملتزمة تنفيذ مبادئ الرباعية الدولية»، التي تنص على نزع سلاح المقاومة والاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقات الموقعة، «وتطبّق خريطة الطريق وتعمل على إطلاق سراح شاليط، فإني سأقترح على (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن اللقاء فوراً بهدف إجراء حوار حقيقي ومفتوح وصادق وجدي بيننا وبينكم»، يؤدي الى «إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة مع تواصل جغرافي» في الضفة الغربية، «تتمتع بسيادة كاملة مع حدود محددة».
وأعلن أولمرت، بعدما مهّد للمواقف التي أطلقها عبر الاقتباس عن بن غوريون موقفه حول أولوية المحافظة على يهودية الدولة من السيطرة على كامل أرض إسرائيل، أنه «ضمن هذا الإطار ستُحدَّد حدود دولة اسرائيل، بما يتلاءم مع ما أشار اليه الرئيس (الأميركي جورج) بوش في رسالته إلى رئيس الحكومة ارييل شارون في 14 نيسان عام 2004»، التي تتضمن تعهداً أميركياً بأن أي مفاوضات مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين ينبغي ان تأخذ بالحسبان «التغييرات الديموغرافية» على الارض في إشارة الى ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية. وألمح أولمرت الى الخطوط الحمراء الاسرائيلية بعدم الانسحاب الى حدود حزيران 1967 بقوله إن «هذه الحدود ستكون مختلفة عن المناطق الخاضعة اليوم لسيطرة دولة إسرائيل».
وأعلن أولمرت أيضاً «نحن، دولة اسرائيل سنوافق على إخلاء أراض كثيرة والمستوطنات التي أقمناها عليها». وأكّد عزمه على مواصلة طريق السلام، مشيراً إلى أنه في «مقابل السلام الحقيقي مستعدون لاختراق البحر الأحمر».
وبعدما عدّد فصائل المقاومة الفلسطينية، توجّه أولمرت إلى الشعب الفلسطيني بالقول إن هذه المنظمات «لا تُقرّبكم لتحقيق الهدف.. بإقامة دولة فلسطينية تضمن لكم الازدهار، وتعيش بحسن جوار الى جانب دولة اسرائيل». ودعا الفلسطينيين الى التخلي عن «العنف والإرهاب والرغبة في المس بمواطني دولة اسرائيل في الجنوب، والوسط والشمال، والاعتراف بحقنا في العيش بسلام وآمن الى جانبكم»، وإلى «التنازل عن المطالبة بتنفيذ حق العودة» للاجئين الفلسطينيين، مشيراً إلى أن هذا التنازل يشكل «هدفاً صحيحاً، وطبيعياً وممكناً».
وتعهد اولمرت أن تُقلص إسرائيل بشكل ملموس الحواجز العسكرية، وتسمح بالمزيد من حرية التنقل في الضفة الغربية، وتسهيل حركة الفلسطينيين والبضائع، وتحل مشكلة الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل.
وعاد أولمرت وكرّر توجيه رسائل إيجابية باتجاه السعودية، فأثنى على المبادرة السعودية التي رأى أن «بعضاً منها إيجابي»، وبأنه «يجب تعزيز العلاقات مع دول كهذه تساهم في العملية السياسية»، مشيراً بشكل مباشر الى أنه «يتابع جهود السعودية من أجل الدفع بعملية السلام بيننا».
وأثار خطاب أولمرت ردود فعل متباينة على الساحة الحزبية الإسرائيلية؛ ففيما دعا حزب ميريتس أولمرت إلى تطوير وقف إطلاق النار باتجاه تذويب الجمود السياسي ولقاء أبو مازن، معتبراً أن الاختبار الفعلي لمصداقية رئيس الوزراء تكمن في الأفعال وليس في الأقوال، هاجم حزب الليكود ما عدّه مسارعة من أولمرت إلى تقديم التنازلات للفلسطينيين والانكفار أمامهم. ورأى عضو الكنيست عن الليكود، يوفال شتاينتس، أن خطاب أولمرت يؤشر إلى دفن التصميم الإسرائيلي في محاربة الإرهاب ونصراً دبلوماسياً لحركة «حماس».
وجاء تعليق حزب العمل على لسان كل من الوزير إيتان كابل وعضو الكنيست أوفير بينيس. فرأى الأول أن الخطاب «مهم وشجاع»، معرباً عن أمله في أن يكون بداية عملية تفاوض مباشرة مع الفلسطينيين، فيما رأى الثاني أن «لا جدوى من وقف إطلاق نار من دون مبادرة سياسية تولّد تسويات سياسية، وذلك لأن الوقت في غير صالح إسرائيل».