في 14 من الشهر الجاري، سيلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما قادة مجلس التعاون الخليجي، لتأدية «واجب طمأنتهم» من الاتفاق النووي المرتقب مع إيران. مهمة كان قد مهّد لها أوباما بخطابه المعقِّب على اتفاق الإطار الذي جرى التوصل إليه مع إيران، ثمّ في مقابلته مع توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز». وقد أتت زيارة وزير الخارجية جون كيري للرياض ثم باريس، حيث التقى وزراء خارجية دول الخليج، لتضمر النيّة ذاتها التي تحمل في أبعادها سعياً أميركياً «حثيثاً» للحفاظ على علاقات جيّدة مع الدول الخليجية.
بالنسبة إلى بعض المراقبين، قد تقتصر مهمة أوباما على إقناع الدول الخليجية بأن الاتفاق النووي لن يؤثر عليها. أما بالنسبة إلى البعض الآخر، فيستحق الأمر الاستناد إلى مسوّغات وأسباب، توجب عدم رضوخ الرئيس الأميركي لمطالب القادة بالحصول على أسلحة أميركية متطوّرة وتوقيع اتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة. موضوع تطرّقت إليه، مثلاً، صحيفة «نيويورك تايمز» التي طالبت أوباما، في افتتاحيتها أمس، بطمأنة قادة الخليج، ولكنها دعته إلى رفض توقيع معاهدة للحماية الأمنية. الصحيفة، على غرار غيرها من المتخوّفين، رأت أن على واشنطن أن تكون حذرة من الانجرار وراء صراعات الشرق الأوسط.
الجانبان ينظران إلى التطورات في الشرق الأوسط بطريقة مختلفة

مهمة باراك أوباما لن تكون سهلة، «التعنّت» الخليجي يحيطها من جهة، واختلاف وجهات النظر ــ الذي برز، أخيراً، بين الخليج والولايات المتحدة بشأن كيفية معالجة شؤون المنطقة ــ يلفّها من جهة أخرى. ومما سعى إلى شرحه عدد من الباحثين والمحلّلين الأميركيين، في الأيام القليلة الماضية، هو أن الجانبين اللذين سيجتمعان في كامب ديفيد، سينظران إلى التطورات في الشرق الأوسط بطريقة مختلفة، وبالتالي من الصعب معرفة كيف يمكن لاجتماع رمزي أن يردم الهوّة بينهما. راي تاكيه، أشار في سياق بحث نُشر في «مجلس العلاقات الخارجية»، إلى أن القادة العرب يريدون تدخل واشنطن لحل كل مشاكل الشرق الأوسط، في حين أن ما تريده واشنطن هو الالتفات صوب آسيا، «وترك مستنقع السياسات الشرق أوسطية وراءها».
وفق الباحث، فإن «الأولويات الأميركية، اليوم، مختلفة بشكل كبير عن تلك التي لدى المشيخات الخليجية». هو أشار إلى أن «هذه الدول تجد الاتفاق الذي يلوح في الأفق متساهلاً، من الناحية التقنية، مع إيران... وأيضاً تتخوّف من أن يؤدي إلى تقارب أميركي ــ إيراني على حسابها»، في حين أن واشنطن تراه مساهماً في استقرار المنطقة، بحسب الرواية الرسمية المتداولة.الباحث مايكل آيزنشتات في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، استلهم من الجهود السابقة لطمأنة الحلفاء الخليجيين، ليبيّن أن الخطوات، التي يُقال إنها قيد الدراسة، «غير كافية لتبديد مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي بشأن نفوذ إيران المتنامي وجرأتها المتزايدة في المنطقة».
ولم تكتفِ واشنطن بذلك، فـ«في الوقت الذي خفضت فيه من وجودها في العراق وأفغانستان، في السنوات الأخيرة، إلا أنها عززت جوانب أخرى من وجودها في الخليج كجزء من الجهود الرامية إلى طمأنة حلفائها وردع إيران»، أضاف الباحث.
الباحثان بلال صعب وباري بافل في «أتلانتيك كاونسل» نظرا إلى الاتفاق الدفاعي الذي تطالب به الدول الخليجية من وجهة نظر مختلفة، ورغم حديثهما عن جوانب إيجابية قد يحملها، إلا أنهما لفتا في الوقت ذاته إلى أنه «قد يعمّق الاعتماد الأمني الخليجي على الولايات المتحدة، ويعيق الإصلاحات الضرورية في الأمن والدفاع التي تريدها واشنطن في سياق علاقتها مع شركائها العرب». بحسب الباحثين، «تتمحور أُمنية واشنطن حول أن يقوم حلفاؤها ببناء قدراتهم العسكرية بأنفسهم كي يتمكنوا من حمايتها بشكل أفضل، ويشاركوا أيضاً في الحفاظ على الأمن في المنطقة». كل ما تقدّم لم يثنِ مراقبين آخرين عن الاحتكام إلى ما تطرّق له أوباما في مقابلته توماس فريدمان، في نيسان الماضي، والتي طالب خلالها الدول الخليجية بمواجهة تحدياتها الداخلية، التي قد لا تقل أهمية عن أي خطر آخر يتهددها.
افتتاحية «نيويورك تايمز» رددت كلام أوباما عن أن إيران «ليست الخطر الوحيد الذي يهدد دول الخليج، فهناك مخاطر أخرى، مثل العزلة التي تعيشها الشعوب، والبطالة التي يعاني منها الشباب، والأيديولوجيا المدمرة».
كذلك الأمر بالنسبة إلى نيك هيكس، الذي أشار في مقال في صحيفة «هافنغتون بوست» إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي ستتجاهل مخاوف باراك أوباما المتعلّقة بالتحديات الداخلية، والتي ستكون من «النقاشات الصعبة».
في هذا الإطار، استند الكاتب إلى حلقة نقاش أجريت في معهد «اتلانتيك كاونسل»، قبل أيام، عن «مستقبل الشراكة الأميركية الخليجية». هناك، قال سفير الإمارات يوسف العتيبة (المشارك في الحلقة)، لدى سؤاله عن رأيه بتعليقات أوباما في هذا الشأن، «إننا لا نتشارك معكم بالقيم الديموقراطية». ولم يكتفِ العتيبة بذلك، فقد أكد وجهة نظره هذه مضيفاً: «لقد قاتلنا معكم في ست حروب، ونحن لا نتشارك معكم قيمكم الديموقراطية»، وذلك رداً على حديث سفير أميركي سابق عن أهمية القيم الديموقراطية في تقدّم العلاقة بين واشنطن وحلفائها من دول مجلس التعاون الخليجي. خلال جلسة النقاش، تناول السفير الإماراتي ما سبق أن مهّدت له ألسنة عدد من المسؤولين الخليجيين، وهو «ضرورة الحصول على ضمان أمني خطي من واشنطن»، خلال الاجتماع مع أوباما في كامب ديفيد، وهو ما يشير، بشكل أو بآخر، إلى أن الولايات المتحدة تعاني حالياً من نقص في الصدقية لدى حلفائها الخليجيين.