منذ تسلمه وزارة الدفاع ومنصب ولي ولي العهد، قاد محمد بن سلمان انتقال السعودية من مرحلة الحروب بالوكالة إلى مرحلة المواجهة المباشرة. برعونةٍ لا يبدو أنها مقبلة على التقويض أو الاحتواء قريباً، بالنظر إلى الغليان الذي تشهده المنطقة وإلى استمرار الحرب السعودية على اليمن منذ عشرة أشهر، أوصل بن سلمان، مع آخرين من رجال الحكم السعوديين، المملكة في سنةٍ واحدة إلى ذروة صراعاتها الخارجية، التي تُوجّت قبل أيام بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
في مقابلةٍ مع مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، يرفض بن سلمان أن يُسمّى بـ«مهندس الحرب على اليمن»، ويؤكد أن السعودية «دولة مؤسسات». الرجل الذي يتصارع مع أبناء جلدته في الأسرة الحاكمة ــ لا سيما محمد بن نايف ــ حول جدوى استمرار حربٍ، أصبح القاصي والداني يعرف أنها لم تجنِ شيئاً حتى الآن، يبدو منفصلاً تماماً عن الواقع العسكري خلف حدوده. فحينما يُسأل عمّا إذا كانت بلاده تقبع اليوم في مستنقع عسكري في اليمن، لا يجد إجابةً سوى الحديث عن عدن التي سيطرت عليها قوات التحالف السعودي في تموز الماضي قبل أن تصبح مرتعاً لتنظيمي «القاعدة» و«داعش».
ورغم الطيش الذي وسم إدارة بن سلمان منذ سنةٍ بالتمام، يبدو الشاب الثلاثيني مدركاً لسقف الصراع المستعر مع إيران وآثاره على المنطقة والعالم. هو يؤكد في المقابلة التي أجرتها المجلة البريطانية في الرابع من الشهر الجاري ونشرتها على موقعها مساء أمس، أن بلاده لن تسمح بالحرب المباشرة بين البلدين، بعد قطعهما العلاقات الدبلوماسية، وإن كان لم يغلق الباب تماماً على هذا الاحتمال «الذي لا يمكن توقعه بصورة تامة». ويضيف أن أياً كان من يدفع في اتجاه تحوّل النزاع بينهما إلى حرب مباشرة هو «شخص لا يتمتع بكامل قواه العقلية»، موضحاً أن حرباً بين السعودية وإيران هي بداية لكارثة أكبر في المنطقة، وستؤثر بقوة في باقي العالم.
ويُرجع بن سلمان قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى «نية في عدم تصعيد حدة التوتر»، إذ إن سحب البعثة الدبلوماسية، بعد إضرام النار في السفارة السعودية في طهران، «جاء تحاشياً لاستهداف أفراد العائلة أو عائلاتهم، وهو ما كان سيضع إيران في موقف أكثر صعوبة»، قائلاً: «نحن جنّبنا إيران من التعرض لحراج كهذا».
وبالعودة إلى سبب التوتر الحاد المستجدّ، يتساءل بن سلمان عن «علاقة إيران بحكم سعودي صادر بحق مواطن سعودي ارتكب جريمة»، في إشارةٍ إلى التظاهرات التي شهدتها طهران ضد إعدام الرياض الشيخ نمر النمر. ويضيف أن ذلك يبرهن أن إيران «حريصة على توسيع نفوذها في المنطقة». ويتوسّع في الشرح، رداً على سؤال المجلة عن توقيت الاعدامات الأخيرة، بالقول إن أحكام الاعدام أعقبت إجراءات قضائية علنية، مؤكداً أن «المحكمة لم تفرّق أبداً بين سنّي وشيعي».
وإذا كان بن سلمان يؤكد عدم السماح بتدهور الوضع في المنطقة والوصول إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، فهو يوحي باستمرار ما سمّته المجلة «حرباً بالوكالة بينكم وبين إيران» على الأراضي اليمنية. وفيما تجنّب تحديد سقف زمني للحرب المستمرة منذ عشرة أشهر، يرفض تحميله المسؤولية المطلقة عن شنّ الحملة العسكرية التي بدأت بعد شهرين من توليه وزارة الدفاع، مؤكداً أن القرار النهائي في المضي قدماً بالعمليات العسكرية بيد الملك سلمان.
«دافع» بن سلمان عن موقفه عبر سرد بعض الأسباب التي تبنّاها «التحالف» حين بدأت عملية «عاصفة الحزم»، داعياً إلى «عدم نسيان حقيقة أن الحوثيين استولوا على السلطة في العاصمة صنعاء». وتابع بن سلمان بالإشارة إلى «وجود صواريخ أرض أرض على حدودنا تبعد 50 كلم عن الحدود ويصل مداها إلى 550 كلم، وهذه الصواريخ بيد ميليشيا تضع يدها أيضاً على طائرات حربية للمرة الاولى في التاريخ على حدودنا وتقوم بتدريبات».
وفي ما يشي بانفصاله عن واقع الميدان اليمني والحقائق العسكرية، برّر بن سلمان طول العملية العسكرية على اليمن بـ«استطاعتها تدمير قدرات الدفاع الجوي التي يسيطر عليها الحوثيون، وتدمير 90% من ترسانتهم الصاروخية»، علماً بأن أحداثاً يومية تنقض هذا الادعاء، بحيث تتعرض المرافق العامة في مناطق جيزان ونجران وعسير السعودية في الآونة الاخيرة لنيران الصواريخ البالستية اليمنية. كذلك يتحصّن بـ«الانجاز» الوحيد حتى الآن للتحالف السعودي، عندما يشير إلى سيطرة «التحالف» على عدن في تموز الماضي، رغم الفوضى الامنية المتفشية في المحافظة الجنوبية مع توسّع تنظيمي «القاعدة» و«داعش» فيها.
وبالنسبة إلى مسار الحلّ السياسي في اليمن، أكد بن سلمان أن بلاده تعمل جاهدة للدفع باتجاه حل سياسي، مضيفاً: «عليهم أن يدركوا (الحوثيون) أنهم في كل يوم لا يقتربون فيه من الحل السياسي، هم يخسرون على الأرض».




تسعير الضغوط السعوديّة


مع اقتراب اجتماع مجلس التعاون الخليجي المحدّد يوم السبت ووزراء خارجية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية الأحد، بدأت بعض الدول المنضوية ضمن هاتين المؤسستين تضغطان في اتجاه ضمان الخروج بموقف موحّد، بعدما لم يؤدّ التحشيد السعودي المنفرد إلى نتيجة فعّالة في هذا المجال.
ويأتي انضمام قطر إلى جوقة مستدعي السفراء الإيرانيين، ليعكس هذه الأجواء، بعدما كانت قد سبقتها الكويت إلى القيام بخطوة مماثلة. وأعلنت وزارة الخارجية القطرية، في بيان، أنها "قامت، مساء الأربعاء، بتسليم سفارة الجمهورية الإيرانية لدى الدوحة مذكرة احتجاج، على خلفية الاعتداءات التي قامت بها جموع من المتظاهرين على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها العامة في مشهد"، مضيفة أن ذلك يمثّل "انتهاكاً للمواثيق والأعراف الدولية التي تكفل أمن وحماية البعثات الدبلوماسية وأعضائها".
خليجياً أيضاً، عملت البحرين على مستوى آخر، بعدما كانت قد جارت السعودية في مختلف الإجراءات المتخذة ضد إيران. فقد أخرجت المنامة من جعبتها "ضبط خلية مرتبطة بإيران، كانت تخطط لشن هجمات على أراضيها"، وذلك بعد أيام على قطع علاقاتها الدبلوماسية معها وإيقاف الرحلات الجوية من إيران وإليها. ولم تكتفِ المنامة بذلك، فقد ذكرت وكالة الأنباء البحرينية أنه "تمّ إحباط هجوم من قبل مجموعة مدعومة مما يسمى الحرس الثوري الإيراني ومنظمة حزب الله الإرهابية".
على المستوى العربي الأوسع، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية استدعاء سفير إيران في عمان لتأكيد إدانة الأردن "الشديدة" للاعتداء على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد.
وأيضاً على المستوى ذاته، برزت خلال اليومين الماضيين أسماء دول عربية قلّما يتم ذكرها أو تناول شؤونها في المنطقة، على الرغم من الأزمات التي تمرّ فيها، وهي جيبوتي والصومال وجزر القمر. فغداة إعلان جيبوتي قطع علاقاتها مع إيران، قامت الصومال أيضاً بخطوة مماثلة، بحجة التضامن مع السعودية. أما جزر القمر، فقد استدعت السفير الإيراني لديها للهدف ذاته، كما أدانت "بأشد العبارات أيّ تدخل في الشؤون الداخلية السعودية".
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)