strong>أجرت صحيفة "هآرتس" تحقيقا موسعا حول الجانب "الكواليسي" من عدوان تموز، عرضت فيه تسلسل الأحداث على صعيد المداولات والاتصالات السياسية الإسرائيلية التي واكبت الحرب وقادتها، وصولا إلى نهايتها التي يبين التحقيق أن نتائجها كانت مغايرة تماما للأهداف التي أعلنت مع بداية الحرب. كما يظهر التحقيق، من بين جملة أمور، أن توصيف "المغامرة" أجدر أن يطلق على القرار الإسرائيلي بشن الحرب، دون غيره
هآرتس ـــ ألوف بن وعكياف ألدار

حرب لبنان الثانية كانت مغايرة لسابقاتها: اسرائيل تمتعت بدعم دولي واسع أتاح لها المجال لتمديد فترة القتال من دون الخوف من أن تؤدي التدخلات السياسية الى ايقاف الطائرات والدبابات. ولكن الجيش الاسرائيلي لم ينجح في حسم الحرب عسكريا أو تحديد نقطة الخروج الصحيحة. لهذا السبب كانت هناك حاجة إلى عملية سياسية مكثفة أدت الى صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1701. ولكن اسرائيل وجدت نفسها في اطار هذه العملية مضطرة إلى التراجع عن غالبية الأهداف التي حددتها لنفسها منذ بدء المعارك، وعلى رأسها اطلاق سراح الجنديين المخطوفين، اللذين أدى اختطاف حزب الله لهما في 12 تموز الى إشعال فتيل الحرب، والنزع التام لسلاح حزب اللهبدلا من هذه المطالب، طلبت اسرائيل نشر قوة دولية قوية للمساعدة في الحفاظ على الهدوء ومنع تدفق السلاح إلى حزب الله. كانت هذه انعطافة استراتيجية في السياسة الاسرائيلية التي امتدت لسنوات طويلة وفق مبدأ "سندافع عن أنفسنا بأنفسنا" و"المحافظة على حرية حركة الجيش الاسرائيلي".
قامت"هآرتس" بتحقيق شامل خلال الاسابيع الماضية استعرضت في اطاره عملية صنع القرارات بواسطة المحادثات بين مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية وديوان رئيس الوزراء وجهاز الدفاع، وكذلك الحال مع دبلوماسيين اجانب في اسرائيل وأميركا ومقر الامم المتحدة. يشير التحقيق الى أن الانقلاب في الموقف الاسرائيلي جرى بعد بدء القتال بعشرة ايام حيث تم التوصل الى تفاهم حول "استراتيجية الخروج" (من الحرب) في القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية. اتخذ القرار في ظل القتال، ولم يثر اهتماما سياسيا واعلاميا خاصا.
قبل التوصل اليه، كان هناك تباين في الآراء بين وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي اقترحت ايقاف العملية من الأيام الأولى، وبين أولمرت، الذي فضل إعطاء الجيش المزيد من الوقت.
يدعي أولمرت أن قراره مثار الخلاف بشأن توسيع العملية البرية هو الذي رجح الكفة في مجلس الأمن وأدى الى صدور قرار مؤيد لإسرائيل. في مقر الأمم المتحدة يرون الأمور بصورة مختلفة: لم يذكر أي واحد من الدبلوماسيين الأجانب الذين أجرينا معهم مقابلات من أجل هذه المقالة توسيع العملية البرية كسبب مؤثر على القرار الذي اتخذ.

13 تموز: الخارجية تبلور "استراتيجية الخروج"


في ساعات المساء من يوم الاربعاء 12 تموز، اجتمعت الحكومة في جلسة خاصة حتى تقرر الرد الاسرائيلي على اختطاف الجنديين وإطلاق الكاتيوشا على المناطق الشمالية. الأجواء كانت دراماتيكية وكان واضحا للجميع أن الرد سيكون قويا وأن ضبط النفس أمام استفزازات حزب الله لم يعد واردا، وخصوصاً أنه يأتي بعد اختطاف جلعاد شاليط واطلاق صواريخ القسام على جنوب اسرائيل.
وصلت وزيرة الخارجية ليفني الى الجلسة بعد نقاش داخلي في وزارة الخارجية كان قد جرى في قضية شاليط والأزمة في الجنوب، وانتهى عندما تسلم المدير العام لوزارة الخارجية ورقة تُعلمه بما حدث في الشمال. "كان واضحا للجميع أننا انتقلنا من نقاش موضعي الى نقاش استراتيجي"، يقول أحد المشاركين في النقاش. أضاف إن الهستيريا الإعلامية حول إعادة شاليط أثارت غيرة نصر الله، وشجعته على تنفيذ عملية الاختطاف في الشمال.
"من الأجدر إخراج إعادة المخطوفين من القاموس لأن هذا ليس هدفا واقعيا"، قالت ليفني للوزراء وأوصت بالتركيز على مطلب تنفيذ القرار 1559.
بعد الجلسة اجتمعت "هيئة السبعة" برئاسة اولمرت للمصادقة على تدمير ترسانة الصواريخ الطويلة المدى. خرجت ليفني من الهيئة مع تصور بأن الجيش يحتاج الى ليلة واحدة وربما أكثر بقليل لاستكمال العملية، وأن القضية ستنتهي عند الظهيرة.
في صبيحة اليوم التالي، 13 تموز، عندما سقطت الـ110 صواريخ كاتيوشا على الشمال، وبينما كان سلاح الجو يقصف مئة هدف في لبنان، بدأت وزارة الخارجية تدرك أن الجيش قد دخل الحرب من دون أن يضع لنفسه نقطة خروج واقعية لذلك، وكما يكشف النقاب هنا للمرة الأولى، تقرر البحث عن نقطة خروج دبلوماسيةكلف المدير العام لوزارة الخارجية، أهارون ابراموفيتش، نائبه السياسي يوسي غال بقيادة طاقم سري لبلورة "استراتيجية الخروج" من الأزمة. جند غال مساعد الوزيرة طال باخر، الذي كان في الماضي مستشارا قانونيا في بعثة اسرائيل لدى الامم المتحدة، والمحامي دانيال رايزنر المختص في القانون الدولي، والذي شغل في السابق منصبا بارزا في النيابة العسكرية وشارك في محادثات السلام مع الفلسطينيين والسوريين. كان في الطاقم أيضاً كل من رئيس مركز الأبحاث السياسية نمرود بركان، ونائب المدير العام لشؤون الشرق الأوسط يعقوب هداس، وعوديد يوسف من ديوان المدير العام.
في ذلك اليوم، تبلورت أفكار ارتكز وقف النار عليها في نهاية المطاف. افتراض "طاقم غال" كان أن العملية العسكرية لن تؤدي الى تحرير المخطوفين أو نزع سلاح حزب الله وأن الجيش لن يعود للمكوث المطول في لبنان. كان الحل الذي بدأ يتبلور ارسال قوة دولية قوية لمساندة الجيش اللبناني ومساعدته على قمع حزب الله.
في 14 تموز، طرح الطاقم وثيقة أولية على ليفني وردت فيها مبادئ "استراتيجية الخروج". في يوم الأحد، 16 تموز، وبينما كانت وسائل الإعلام تتحدث عن سقوط صاروخ على محطة القطارات في حيفا حيث قتل ثمانية اشخاص، قدم الطاقم وثيقة أكثر تفصيلاً تضمنت مسودة أولية لقرار مجلس الأمن. وجاء في الوثيقة أن العملية العسكرية يمكن أن تؤدي الى إضعاف حزب الله، إلا أن هناك حاجة إلى اتفاقات سياسية من أجل الحفاظ على الإنجاز العسكري لفترة طويلة. حذر مُعدو الوثيقة من أن عدم قيام اسرائيل بأخذ زمام المبادرة قد يدفع الأسرة الدولية الى التوصل الى تفاهمات مع لبنان من دون اهتمام اسرائيلي.
حرص صائغو الوثيقة على أن تكون النقطة الأولى فيها، وفي كل الأوراق المرفقة: إعادة المخطوفين.
أما باقي المبادئ المحددة في الوثيقة فقد كانت:
1- تبني قرار "تأسيسي" جديد في مجلس الأمن بدلا من القرار 1559.
2- الجيش اللبناني ينتشر في جنوب لبنان ويعزز القوة الدولية لفرض السلام (هناك تردد في الوثيقة بين ارسال قوة جديدة تعمل في ظل تفويض دولي وبين رفع مستوى اليونيفيل الموجودة في لبنان منذ 1978. أعضاء الطاقم حللوا كل النماذج الدولية لمهمات حفظ السلام وبحثوا عن نموذج ملائم للبنان).
3- القوة الدولية تتمتع بصلاحيات تنفيذية حسب الفصل السابع من وثيقة الامم المتحدة وتكون مخولة إطلاق النار في اطار تنفيذ مهماتها.
4- المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود الاسرائيلية تكون منزوعة السلاح.
5- نزع سلاح حزب الله ينفذ وفقا لخطة منسقة مع جهاز رقابة.
6- اسرائيل ولبنان تشكلان جهاز تنسيق سياسي ـــ أمني.
7- الاسرة الدولية تمنح لبنان مساعدة وفقا للتقدم في تطبيق القرار 1559 (نزع سلاح حزب الله).
8- الامم المتحدة تفرض حصار سلاح على الميليشيات غير الحكومية في لبنان.
اقترح الطاقم أن تعمل اسرائيل على دفع المبادرة بواسطة واشنطن وباريس من دون أن تكون عليها "بصمات اصابع اسرائيلية" من اجل منع ظهور معارضة دولية. ولكن المسؤولين في وزارة الخارجية طولبوا قبل ذلك بتسويق الخطة داخل اسرائيل لرئيس الوزراء والجيش.

16 تموز: شرخ بين أولمرت وليفني


بدأت تسيبي ليفني تشعر بأن هناك شيئاً ليس على ما يرام منذ ساعات المساء من 13 تموز. خلال ظهورها في استوديوهات التلفاز الجديدة، بدأت تسمع أحاديث عن عملية طويلة وأهداف اضافية. كان اعتقادها أن العملية السياسية يجب أن تدخل على الخط بعد القصف الناجح لترسانة الصواريخ الطويلة المدى. أما اولمرت فقد كان لديه تصور آخر وقدر أن الجيش بحاجة الى بضعة ايام اخرى حتى يضرب المزيد من الأهداف.
في صبيحة اليوم التالي، الجمعة 14 تموز، دعا اولمرت "السباعية" للمصادقة على مرحلة اخرى من العملية وهي قصف الضاحية الجنوبية في بيروت، بما في ذلك قيادات حزب الله والمنزل الخاص لحسن نصر الله. قال للمشاركين إن هذه العملية ستؤدي الى اطلاق الصواريخ على حيفا. عارت ليفني ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر، إلا أن العملية حصلت على المصادقة وتم توسيع الحرب.
في يوم الاحد 16 تموز، التقت ليفني اولمرت وعرضت عليه فكرة "الخروج السياسي" التي صاغها طاقمها. لم يتحمس اولمرت لها. أراد اعطاء الجيش المزيد من الوقت. وفي هذه اللحظة، ظهر الشرخ بين اولمرت والقائمة بأعماله، وهو شرخ لم يلتئم حتى اليوم. أدركت ليفني أنها في موقف الأقلية وأن الحرب تتمتع بدعم جماهيري وسياسي واسع، وتوقفت عن اجراء المقابلات وخفضت مستوى ظهورها، إلا أنها واصلت جهودها لحث اولمرت على الانضمام إلى العملية السياسية.
في ذلك المساء، علم أودي سيغال (المراسل السياسي للقناة الثانية) أن وزارة الخارجية تتداول في امكان نشر قوة دولية في لبنان. فكرة اعتماد اسرائيل على قوة كهذه كانت في حينه تعد مسألة بعيدة المنال. رد اولمرت لم يتأخر: في يوم الثلاثاء، 18 تموز، التقى مجموعة من المسؤولين في وزارة الخارجية ممن كانوا يزمعون الخروج الى الخارج كسفراء. عندما ذكروا فكرة القوة الدولية، قال لهم اولمرت إن هذا عنوان جيد، ولكن تجربتنا تشير الى أن هذه الفكرة خالية المضمون، القوة الدولية موجودة اليوم في لبنان ولا تفعل شيئا.
إلا أن ليفني لم تتراجع عن موقفها ومحاولاتها وواصلت السعي الى الالتقاء باولمرت الذي كان يتهرب منها بذرائع مختلفة. طلب ديوان رئيس الوزراء من المؤسسة الأمنية إعداد وجهة نظرها حول القوة الدولية. شارك عاموس جلعاد في المداولات عن المؤسسة الأمنية، وعبر عن رأيه في أن إبعاد حزب الله عن جنوب لبنان وإدخال قوة دولية فعالة يشكل مخرجا جيدا من الحرب. في احدى المداولات الاولى، عندما جرى الحديث عن خطر تحول ذلك الى سابقة يمكن أن تُطبق على المناطق، قال عاموس جلعاد أن لا حاجة إلى الخوف من ذلكالشعور في القدس في تلك الايام كان بأن العالم معنا، وأنه، وللمرة الاولى في تاريخ حروب اسرائيل، يحدث أمر كهذا. في 16 تموز، قررت قمة الثماني في سان بطرسبورغ تبني أهداف اسرائيل من الحرب، ودعت الى اطلاق سراح المخطوفين وتطبيق القرار 1559. دعا قادة الثماني الى نشر الجيش اللبناني في الجنوب وقرروا تدارس إرسال قوة دولية الى المنطقة. أما المسؤولية عن الأزمة فقد أُلقيت على كاهل حزب الله. الى جانب ذلك، بدأ الجيش الاسرائيلي تفحص فكرة إرسال القوة الدولية واعتقد أن هذا أساس جيد لترتيبات أمنية جديدة في لبنان. كان نائب رئيس هيئة الاركان، اللواء موشيه كابلنسكي، من أوائل المؤيدين. قدر الجيش الاسرائيلي أن هناك حاجة إلى ثمانية آلاف جندي، كما تم جس نبض استعدادية حلف الأطلسي لارسال مثل هذه القوة. رُفضت الفكرة بسبب معارضة فرنسا التي رغبت في قيادة القوة الدولية بنفسها.
في يوم الأحد، في 23 تموز، إبان قيام الجيش الاسرائيلي بتوسيع عملياته البرية، وبعد سقوط مئتي صاروخ على الشمال في نهاية الاسبوع، التقى اولمرت ليفني وأعلمها بأنه يتبنى خطة القوة الدولية. اتخذت وثيقة وزارة الخارجية "تغيير قواعد اللعبة في لبنان" أساسا للموقف الاسرائيلي. لم تؤد موافقة اولمرت الى زوال الشرخ بينه وبين ليفني ولم تحل الخلاف الأساسي حول قضية الموعد الملائم لانهاء الحرب. رغب اولمرت والجيش في المزيد من الوقت. أما ليفني فقد اعتقدت أن استمرار القتال لا ينفع شيئا. منذ تلك اللحظة وحتى انتهاء الحرب، أشرف على الاتصالات السياسية طاقم من الوزارات برئاسة توربوفيتش وشارك المستشار السياسي ترجمان من ديوان رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الأمن القومي، ايلان مزراحي، ومدير عام وزارة الخارجية أبراموفيتش وعاموس جلعاد وغيرهم.
لم يكن القرار الذي اتُخذ في 23 تموز منقطعا عن المجريات الدولية. رايس كانت في طريقها الى المنطقة لبلورة وقف نار وتسوية سياسية جديدة في لبنان.

29 - 30 تموز: من مزارع شبعا حتى قانا

كان سفير الولايات المتحدة لدى اسرائيل، ديك جونز، سفيرا لبلاده لدى بيروت إبان "عناقيد الغضب" واطلع خلال ذلك على التواءات السياسة الطائفية في لبنان ومناورات نصر الله وديناميكية القصف الاسرائيلي وآلاف المُهجرين.
بعد اندلاع الحرب بيومين، صاغ جونز مبادئ لانهاء الازمة كأساس لقرار الامم المتحدة بما في ذلك ارسال القوة الدولية، إلا أن واشنطن ركزت في الايام الاولى على انقاذ حكومة (رئيس الوزراء فؤاد) السنيورة ورغبت ايضا في إتاحة المجال لضرب نصر الله وأعوانه من دون المس بالبنى التحتية المدنية اللبنانية لادراكها الآثار المترتبة من ذلك على حكومة السنيورة. أقنع السنيورة، من جهته، رايس بأن الانجاز الأهم بالنسبة إليه سيكون اخلاء مزارع شبعا في سفوح جبل حرمون، واقترح أن تقوم اسرائيل بالانسحاب من المنطقة وأن تودعها بيد الامم المتحدة حتى استيضاح الملكية القانونية لها. وقال لرايس إنه سينزع بذلك احدى الذرائع الأساسية للنشاط العسكري من أيدي حزب الله، الأمر الذي يُسهل عليه تحويله الى تنظيم سياسي غير مسلح.
تحمست رايس للفكرة وحاولت بيعها لاولمرت، الذي رفض ذلك مدعيا أنها سابقة خطرة عندما تأتي بعد الاعتداء على السيادة الاسرائيلية، عندئذ أدركت رايس أنها ستعود الى السنيورة خالية الوفاض.
لم يعرقل الاختلاف حول مزارع شبعا التقدم في بلورة ورقة التفاهمات التي سعت رايس الى اعدادها وفقا لمواقف اسرائيل ولبنان. ولكن في ذروة تلك المداولات حدثت المصيبة التي تمثلت بقصف قرية قانا. طلب اللبنانيون من رايس ألا تأتي الى بيروت وبذلك تعرقلت خطتها لوقف النار. يقول اولمرت اليوم إن كارثة قانا قد أخرت انهاء الحرب عشرة ايام.

30 تموز: الفرنسيون يتبوؤون القيادة

انهيار الخطة الاميركية لوقف النار رفع المسودة الفرنسية لقرار مجلس الأمن الى رأس جدول الاعمال. لم تتحمس اسرائيل للوثيقة الفرنسية الأصلية، التي تطرقت الى وقف النار وتبادل الأسرى وتسليم مزارع شبعا للوصاية الدولية. كانوا في القدس على قناعة بأن الفرنسيين يعبرون عن الموقف اللبناني في مقابل الموقف الاسرائيلي المسنود أميركيا. واشنطن وباريس تمتعتا بقدرة الشل المتبادل. كان كل طرف منهما قادرا على طرح اقتراح للتصويت مدركا أن خصمه سيجد صعوبة في استخدام الفيتو عليه حتى وإن لم يكن موافقا على كل تفاصيله.
في غضون ذلك، جرت مفاوضات بين طاقم توربوفيتش وثلاثة مسؤولين اميركيين: رئيس قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية، ديفيد ولش، ورجل القانون يونتان شفارتس، والسفير جونز. أصرت اسرائيل، خلافا لموقف فرنسا، على التطرق لحزب الله في قرار الامم المتحدة باعتباره مسؤولا عن الأزمة حتى تعزز مطلب نزع سلاحه. حاول الفرنسيون، في البداية، موازنة الصياغة بواسطة انتقاد ردود الفعل الاسرائيلية المفرطة، ولكن هذه عبارة غابت عن المسودة النهائية. جرى نقاش مثير في اسرائيل حول صلاحية القوة الدولية، وهل ستكون بناء على الفصل السابع أم الفصل السادس. كانت الآراء في الجيش متباينة ايضا، وأراد البعض قوة مع أسنان، بينما خشي البعض الآخر من أن يؤدي ذلك الى لجم الجيش الاسرائيلي في اطار رده على الارهاب الآتي من لبنان.
كما أن لبنان عارض ايضاً ارسال قوة دولية وفقا للبند السابع، وفضل الظهور بمظهر من دعا الامم المتحدة إلى إرسال قواتها الى اراضيه لتعزيز القوات الموجودة هناك أصلا. كان الحل الوسط الملائم للجميع استخدام صياغات البند السابع من دون ذكرة بصورة صريحة.
تواصلت النقاشات حول المسودة لاسبوع آخر، وفي غضون ذلك، ترددت القيادة الاسرائيلية حول ادخال ثلاث فرق الى لبنان لتنظيف المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني وتطهيرها في اطار المساعي لايقاف الكاتيوشا على الشمال. بيرتس حث على العملية، واولمرت تردد، إلا أنه صادق عليها في يوم الاربعاء في التاسع من آب، ولكنه طلب تأجيلها حتى يعطي فرصة اخرى للاتصالات السياسية.

12 آب: يوم الحسم

استيقظت ليفني في صبيحة 12 آب مع نبأ مفاده أن المسودة المُعدلة في مجلس الأمن قد تراجعت عن التفاهمات التي تم التوصل اليها مع ولش في المساء السابق. كان الاستخلاص الذي تبلور في اسرائيل هو أنها لا تستطيع أن تقبل الصيغة الجديدة. قال اولمرت إنه في ذلك الصباح قرر توسيع العملية العسكرية كوسيلة ضغط لتحسين القرار المتبلور في الامم المتحدة. يقول اولمرت اليوم إنه ليس لديه شك بأن قراره بتوسيع العملية البرية هو الذي رجح الكفة في مجلس الأمن لانه دفع الاميركيين الى استخدام كل قوتهم حتى يكون القرار كما أرادت اسرائيل، وجعل الفرنسيين يدركون أنهم لا يملكون المزيد من المناورة. غُيرت البنود بحيث يكون بامكان اسرائيل أن تدعي بأنها قد حققت أهدافها: قوة يونيفيل معززة، رقابة على الموانئ والحدود اللبنانية السورية، وتطرق غامض وفارغ لمزارع شبعا، انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان في مقابل دخول الجيش اللبناني والقوة الدولية. في يوم الجمعة في التاسعة مساء، استكملت الصيغة التي طُرحت على التصويت في الثالثة فجرا، وصدر القرار 1701 بالاجماع.
بقي أمام الطاقم السياسي الإسرائيلي أمر صغير: الاتفاق مع الأميركيين على موعد دخول وقف النار إلى حيز التنفيذ. طلب الجيش من المستوى السياسي 96 ساعة لاستكمال العملية. في أعقاب التصويت في الأمم المتحدة، بدأت جولة إضافية من المحادثات الهاتفية بين توربوفيتش وهادلي وبين ليفني ورايس. أوضح الإسرائيليون أنه يصعب على الجيش التوقف في منتصف الطريق، وأن هناك خشية من ألا يلتزم حزب الله بوقف النار.
يوم السبت، في الخامسة فجرا، تم التوصل إلى تفاهم على أن يدخل وقف النار حيز التنفيذ يوم الاثنين، في 14 آب، عند الثامنة صباحا. مع الاتفاق على التفاصيل انتهت الدبلوماسية. وولش وشفارتس، المبعوثان الأميركيان اللذان أمضيا فترة الحرب في المنطقة، عادا إلى واشنطن صباح السبت، فيما تفرغ أصحاب الشأن في إسرائيل لتحضير رواياتهم حول الأحداث. في الساعات الـ60 التي مرت بين قرار توسيع العملية في لبنان ودخول وقف النار حيز التنفيذ قتل 34 جندياً إسرائيلياً.

التنازل عن المخطوفين

بيان الثمانية الكبار الذي دعا إلى إطلاق سراح الجنود الذين خطفوا في غزة ولبنان، شجع أولمرت على تقديم إطلاق سراحهم بوصفه هدفا مركزيا وإعلان أن الحرب لن تتوقف قبل عودتهم إلى الديار. جلسة المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر، في 19 تموز، التي صودق فيها على الأهداف السياسية للحرب، وضعت على رأس هذه الأهداف "إطلاق سراح الجنديين المخطوفين وإعادتهما إلى إسرائيل من دون شروط". لماذا إذا، عندما حان وقت ترجمة الأهداف إلى تسوية سياسية، اختفى هذا المطلب؟
يقول مصدر سياسي رفيع المستوى إن "وزيرة الخارجية الأميركية أوضحت في إحدى زياراتها إلى المنطقة خلال الحرب أننا إذا كنا نفكر في مواصلة الحرب حتى إعادة الجنديين، فإن الأميركيين لن يتمكنوا من تأييد ذلك. وقالت رايس إنهم هم أيضا يضطرون إلى مواجهة عمليات اختطاف في مناطق كثيرة من العالم، بما فيها العراق، وإننا سنضطر إلى الاكتفاء بتصريحات عامة ولن نستطيع اشتراط وقف النار بإطلاق سراح المخطوفين".
سمعوا ذلك في القدس واستوعبوه، ومنذ تلك اللحظة تركز الجهد الإسرائيلي على إدخال الدعوة إلى إطلاق سراح المخطوفين في نص قرار مجلس الأمن، وعلى إحباط المحاولة الفرنسية الرامية إلى خلق تواز بين إعادة الجنديين وإطلاق سراح اللبنانيين الموجودين في إسرائيل. ويضيف المصدر "لقد أوضحنا أنه لا يمكن المساواة بين جنود خُطفوا من داخل أراضينا، وبين لبنانيين تمت إدانتهم ومحاكمتهم في عملية قضائية مناسبة".
في نهاية المطاف قرر أولمرت التنازل عن إعادة الجنديين كشرط لإنهاء الحرب. وفي مقابلة مع "هآرتس" عشية رأس السنة العبرية أوضح أنه لم يكن ممكنا مواصلة الحرب والمخاطرة بحياة عشرات الجنود، حتى يتم إعادة الجنديين المخطوفين، في وقت تمت فيه الموافقة على المطالب الإسرائيلية الأخرى.