محمد بدير
ضبّاط الجبهة الشمالية مستاؤون من الترتيبات الأمنية على الحدود

وجد الجيش الإسرائيلي نفسه أمس في عين عاصفة جديدة، لعلها الأعنف حتى الآن على خلفية تداعيات العدوان على لبنان، أثارتها تصريحات أطلقها القائد السابق للقوات البرية الجنرال يفتاح رون طال، الذي رأى أن نتيجة الحرب لم تكن إلا فشلاً، وطالب قائد الأركان، دان حالوتس، بالاستقالة، منتقداً طريقة إدارة المعارك، ومطالباً بتأليف لجنة قضائية رسمية للتحقيق في الإخفاقات التي انتهت إليها الحرب.
واختار رون طال مجلة «كفار حباد» الدينية الأصولية لتكون منبراً لعدد من المواقف القاسية ضد المؤسسة العكسرية بقيادتها الحالية، وضد خطة فك الارتباط التي عدّها خطوة «انتحارية» إسرائيلياً. وقال رون طال بحسم: إن حرب لبنان «انتهت من الناحية العسكرية بالفشل، ويتعيّن على رئيس الأركان تحمّل المسؤولية».
وانتقد الجنرال الإسرائيلي، الذي تنتهي خدمته العسكرية هذا العام، تصريحات حالوتس، التي رأى فيها أن الجيش الإسرائيلي انتصر بالنقاط. وقال إنه لا يعرف هذا المصطلح، و«إن الجيش لم يحسم المعركة، ويتحتم على كل من أدار الحرب أن يتحمل المسؤولية»، في إشارة إلى توسيع دائرة من يطالبهم بالاستقالة لتشمل رئيس الحكومة ايهود أولمرت ووزير الدفاع عامير بيرتس.
وأكّد رون طال، الموجود في إجازة نهاية الخدمة، أن «الجيش كان يملك خططاً لعملية برية واسعة في جنوب لبنان، لذلك فإن إحدى المسائل الكبيرة التي سيتعين التحقيق فيها هي لماذا لم يتصرف الجيش وفقاً لتلك الخطط وانتهج أسلوب عمل متردداً».
ورأى رون طال، الذي كان قد انضم إلى حركة احتجاج جنرالات الاحتياط قبل أسبوعين، أنه كان «يجب أن يصار إلى تجنيد الاحتياط وتدريبهم، قبل إدخالهم بطريقة منظمة (إلى المعركة). لكننا دخلنا إلى هذه الحرب بشعور أنه يمكن إنهاء القصة من خلال سلاح الجو. إن من يتحدث عن خطيئة التبجح، يقصد هذا الأمر».
ووصف رون طال عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين من المقاومة في الثاني عشر من تموز بأنها «فشل من بلاد الفشل»، ووجّه انتقاداً شديداً لقرار الحكومة الإسرائيلية تأليف لجنة حكومية للتحقيق في مجريات الحرب، معتبراً أن «السبيل الوحيد للتحقيق بما حدث يمر فقط عبر لجنة تحقيق قضائية رسمية»، مؤكداً، بحسب رأيه، أنها "ستُؤلّف بسرعة».
وركّز رون طال هجومه على خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، معتبراً أن انهماك الجيش الواسع فيها هو الذي حرفه عن الاستعدادات للحرب. وأضاف «إن القرار الذي فرض على الجيش تنفيذ خطة فك الارتباط كان خطأ فادحاً لا يزال الجيش يدفع ثمنه... وقد أثّرت هذه المهمة سلباً في تدريب الجيش ومسّت جهوزيته القتالية في لبنان».
وتناول طال خطة فك الارتباط من زاوية مبدئية، فرأى فيها خطوة انتحارية، معتبراً أن «الدولة المستعدّة للتنازل عن جزء من أراضيها تقود نفسها نحو الانتحار... أنا لا أفهم حتى الآن كيف تنازلت إسرائيل عن أجزاء من أراضيها بحماسة وتطوعاً، وكيف حوّلت المجرمين إلى مقيمين مرتبطين بالأرض بدلاً من محاربتهم والحفاظ على الهوية اليهودية للدولة».
وتكتسب تصريحات رون طال إزاء الفشل في لبنان أهمية استثنائية لكونها صادرة عن شخص هو عضو حالي في هيئة الأركان العامة، وشغل سابقاً منصب قائد أسلحة البر، وكان شريكاً في جميع القرارات، الأمر الذي يُعطي لكلامه دلالة لا يقلل منها التلميح إلى أنه ساق كلامه على خلفية حرب الجنرالات الدائرة في الجيش الإسرائيلي بعد حرب لبنان، وبسبب خيبة أمله من عدم ترقيته وتعيينه قائداً للمنطقة الشمالية.
وفور شيوع مواقف رون طال، نشرت إذاعة الجيش الإسرائيلي بيان استنكار لأقواله، واستدعي إلى مكتب حالوتس لتوضيحها. وأصدر الناطق العسكري بياناً قال فيه إنه من «غير المناسب أن يطرح ضابط موجود في إجازة نهاية الخدمة ويتلقّى راتباً من الجيش انتقادات للمستوى السياسي في دولة إسرائيل». ورأى أن «الأمر يصبح أكثر خطورة في ضوء حقيقة أن اللواء رون طال كان عضواً في هيئة الأركان العامة وشريكاً في كل القرارات، بما في ذلك خطة فك الارتباط».
من جهة ثانية، تعم حالة من الغضب صفوف ضباط المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي على خلفية طبيعة الوضع الذي سيسود الحدود مع لبنان في أعقاب الحرب. وفي هذا المجال، اشارت «معاريف» إلى أن كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي وجّهوا في نهاية الأسبوع الماضي، انتقادات بشأن التعليمات التي وجهت لهم بعد الحرب على لبنان، وذلك في اجتماع تركز على الأمن عقده قائد فرق الجليل، العميد غال عيرش، وتطرق إلى «اليوم الذي يلي الحرب». ورأى الضباط أن التعليمات التي وجهت لهم، وخاصة ما يتعلق بإطلاق النار، من شأنها أن تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن مخاوف الضباط الميدانيين، وجميعهم من قيادة المنطقة الشمالية، تتمحور حول كون تعليمات إطلاق النار وطرق العمل بالقرب من السياج الحدودي من الممكن أن تتيح لحزب الله تقويض مكانة الجيش الإسرائيلي تدريجياً، وبرز ذلك من خلال قول عدد من الضباط «في البداية، ستقام التظاهرات وترفع الأعلام بالقرب من السياج، وبعدها يرشق الجنود بالحجارة، ولاحقاً سيبدأ حزب الله بإطلاق النار والقذائف، وفي النهاية سيعود الوضع إلى ما كان عليه في السابق».
ووقال أحد الضباط «لم يتغير أي شيء عن اليوم الذي سبق الحرب. فاليوم، يجب على الجيش الإسرائيلي أن يبلّغ القوات الدولية عند اقتراب أحد عناصر حزب الله من السياج الحدودي، مثلما كان في السابق». وتابع «لا أعتقد أنه يمكن مواجهة حزب الله لفترة طويلة بهذه الطريقة، فهي لا تبدو فعالة».

iشغل الجنرال يفتاح رون طال، العضو في هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، حتى قبل عدة أشهر، منصب قائد الذراع البرية، وكان مرشحاً بعد ذلك لتسلّم قيادة المنطقة الشمالية، إلا أن تعيين غادي آيزنكوت الأسبوع الماضي في المنصب، دفعه إلى اتخاذ قرار اعتزال العمل العسكري. ومن المقرر أن تنتهي خدمته، التي دامت 32 عاماً، في غضون شهر تقريباً