مهدي السيد
«رياح» الشام العاتية، التي تدعو تارة إلى السلام، وتلوِّح تارة أخرى بالخيار العسكري، تشغل بال الأوساط الإعلامية الإسرائيلية التي سعت على مدى اليومين الماضيين إلى تبيان ماهيتها وبحث كيفية التعاطي معها

توقفت الصحف الإسرائيلية أمس عند المواقف الأخيرة التي أطلقها الرئيس السوري بشار الأسد، خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة «الأنباء» الكويتية، والتي كرر فيها استعداده للسلام والحرب في وجه إسرائيل، الأمر الذي ترك أصداء كبيرة على الساحة الإسرائيلية التي انهمكت في تحليل نياته الحقيقية ودوافع تصريحاته، إضافة إلى ردود الفعل والخطوات العسكرية والسياسية التي يتعين على إسرائيل اتخاذها لاستيعاب الوضع.
وقال روني سوفر، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن المسؤولين «في إسرائيل لا يستخفون بتصريحات الرئيس السوري التي تفيد بأن بلاده مستعدة للحرب. ورغم حرصهم على القول إن الأمر لا يتعلق بتهديد فوري، إلا أن الجيش والحكومة يتابعان بقلق الرياح التي تهب من دمشق، ويفحصون خطوات بشار الأسد بدقة».
وحول الخطوات الإسرائيلية المتخذة، يقول سوفر إنه «حتى الآن، ورغم التوتر والمخاوف، لا يوجد قرار برفع مستوى الجهوزية لدى الجيش الإسرائيلي في مقابل الجبهة السورية، وهي خطوة من شأنها المساهمة في التصعيد بحد ذاتها. بيد أنه، بتوجيه من المستوى السياسي، تُوجَّه كل وسائل جمع المعلومات الإسرائيلية من أجل استيضاح الوجهة التي يسعى اليها الأسد. ويجري الحديث في المؤسسة الأمنية، إلى جانب تعزيز حالة الاستعداد، عن يقظة على هذه الجبهة».
وبالنسبة إلى الموقف السياسي، يشير سوفر إلى أن «مكتب رئيس الحكومة يرفض بشكل رسمي إعطاء أي تصريح رداً على تصريحات الأسد الأخيرة التي تصل من الشمال إلى الشرق». وفي ما يتعلق بخلفية تصريحات الأسد، ينقل سوفر عن محافل سياسية تقديرها أن «خلفية أقوال الأسد هي الضغط الدولي الثقيل الذي يتعرض له منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وبسبب مساعدة سوريا للإرهابيين في العراق»، مضيفاً أنهم في القدس المحتلة يصفون أقوال الأسد بأنها «مناورة سياسية مترهلة».
وبحسب سوفر «يفترضون في إسرائيل أن الحرب الأخيرة في لبنان، وإن كانت قد شجعت مزاج الأسد بعض الشيء، إلا أنها علمته بشكل أساسي أن الجيش الإسرائيلي سيرد بشدة على الاستفزازات وعلى خرق السيادة الإسرائيلية». وينقل سوفر عن محافل أمنية في إسرائيل قولها إن «تصريحات الأسد الأخيرة، سواء المتعلقة برغبته في السلام أو المتعلقة باستعداده للحرب، مرتبطة أيضاً بهذا الدرس».
وبحسب سوفر يقولون في القدس إن «الأسد يرى الآن التغييرات التي تحصل في المنطقة، وهو يدرك أنه فيما يُبنى ائتلاف من الدول المعتدلة ــ السعودية ومصر والأردن وقسم من دول الخليج ــ يبقى هو معزولاً. في مثل هذا الوضع، لا يمكنه الاعتماد على تأييد الدول العربية في أوقات الأزمة مع إسرائيل. وفي جميع الأحوال، يقدرون في إسرائيل أنه لن تُنفذ أي خطوة سورية من دون تنسيق مباشر مع إيران».
بدورها، قالت صحيفة «هتسوفيه» اليمينية إن «مكتب رئيس الحكومة رفض التطرق إلى أقوال الأسد، بيد أن مصدراً أمنياً قال إن استعداد الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان بقي على مستوى عال، وأنه لم يتغير منذ انتهاء حرب لبنان».
وأشارت الصحيفة إلى أن «سوريا بدأت قبل أشهر إرسال رسائل تفيد بأنها مستعدة لتحرير الجولان بالوسائل العسكرية، حتى قبل بدء الحرب في لبنان. ومنذ الحرب يحرص الأسد على تحذير إسرائيل من أن صبر سوريا ينفد، بسبب انعدام الأمل بإعادة الجولان عبر طرق السلام. إلى جانب ذلك، يحرص الأسد على نقل رسائل تفيد بأنه معني بتقدم عملية السلام مع إسرائيل».
ورأى يوآب شتيرن، في «هآرتس»، أن «نافذة الفرص لتحسين الوضع السياسي لسوريا فُتحت في اللحظة التي انتهت فيها حرب لبنان الثانية بفشل إسرائيلي. وقد تُغلق هذه النافذة عندما تُنشر نتائج لجنة التحقيق الدولية باغتيال الحريري». ويرى شتيرن أن «ثمة صفقة محبوكة بشكل جيد، تقوم في سياقها سوريا بالخروج من محور الشر، بحيث يكون هذا الخروج مهرها، على أن يكون المقابل هو الجولان، مصحوباً بتقديمات اقتصادية وخروجها من العزلة».
وبحسب شتيرن فإنهم «في دمشق، يدركون جيداً أن المؤسسة السياسية الإسرائيلية موجودة في فراغ. وقد قرر الأسد أن يلقي إلى أولمرت حبلاً، من خلال سيل الدعوات إلى السلام، من أجل أن يتيح له بناء جدول أعمال جديد».
ويضيف شتيرن: «لكن الأسد يشعر بأن عليه أن يبث الحزم والصلابة أيضاً. ففي أعقاب الانسحاب من غزة والحرب في لبنان، توصل إلى خلاصة مفادها أن إسرائيل لا تتنازل في مقابل إغراءات، بل إنها بحاجة إلى تشجيع على غرار تهديدات وإلحاق الضرر. وقرر الأسد أن يُغري ويهدد في الوقت ذاته».
وفي اعتقاد شتيرن «من الصعب الافتراض أن الأسد معني فعلاً بالحرب، فتصريحاته، إلى جانب الأعمال السورية، وراء الكواليس، تشير إلى أن النظام يحاول الدفع باتجاه التوصل إلى انطلاقة».