إعداد: يحيى دبوق

تحولت عملية التصدي والحيلولة دون وصول إيران إلى قدرة نووية، وتحديداً منذ عام 2003، إلى شغلٍ شاغل لصانعي القرار الإسرائيلي، كما أصبحت مدار بحث وتدقيق تجريه مراكز الدراسات الاستراتيجية في الكيان الإسرائيلي، ومنها مركز «جافي للدراسات الاستراتيجية» التابع لجامعة تل أبيب

يُعدّ نائب رئيس مركز جافي، والنائب السابق لرئيس قسم البحث في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، العقيد إفرايم كام، من الباحثين الإسرائيليين الأكثر اهتماماً بالتهديد النووي الإيراني لإسرائيل، وقد ألف كتاباً عام 2004 صدر عن المركز بعنوان «إيران من الإرهاب إلى القنبلة النووية» لقي رواجاً كبيراً، ولا يزال، كما كانت له أبحاث ومقالات عديدة في مجلات وصحف إسرائيلية وغربية متعددة، إضافة إلى إلقائه محاضرات في إسرائيل وخارجها، وكلها تناولت «الخطر النووي الإيراني» وسبل مواجهته.

ونشرت مجلة «أوفكيم» الصادرة عن «حزب العمل» الإسرائيلي، في عددها الأخير، مقالاً لكام تضمّن مقاربة جديدة وبعيدة، بنتيجتها، عن مقاربات أقرانه في إسرائيل، يستشفّ منها تسلل واضح لليأس في مواجهة المشروع النووي الإيراني. وعبّر الكاتب عن يأسه هذا بقفزه عن المواجهة المباشرة لصد المشروع النووي الإيراني، بشقيه السياسي والعسكري، لعدم الجدوى أو القدرة، باتجاه سرد جملة من الأسباب التي ستمنع إيران من استخدام سلاحها النووي إذا حصلت عليه، إضافة إلى دعوة صريحة أطلقها إلى فتح «قناة اتصال» بين إسرائيل وإيران، تكون كفيلة بتذويب الاحتقان وتساهم في لجم أي تدهور نحو المواجهة المرفوضة إسرائيلياً، لكونها تهديداً وجودياً لإسرائيل.
ويقدّم كام لمقالته بإعادة تذكير القارئ الإسرائيلي بمكمن خطر إيران، المتمثل بعقيدتها، رابطاً إياه بأصل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، ودعمها «للإرهاب». لكنه يضع إسرائيل منفردة في محور دول متضررة منها، ليعود إلى سرد التشريح الإسرائيلي للخطر الإيراني، المؤسس على تهديد «الإرهاب والمنظومة الصاروخية» فيقول:
«بحسب وجهة نظر إسرائيل، فإن التهديد الإيراني، حتى الآن، مقيّد بمجالين: تورط في الإرهاب ضد إسرائيل، وتحديداً من خلال حزب الله الذي تسلّحه وتموّله وتدرّبه وتوجّهه؛ حيث المنظومة الصاروخية الكبيرة التي بنتها إيران لحزب الله في لبنان هي بالنسبة لها (إيران) سلاح إيراني رادع قبالة إسرائيل. وفي السنوات الأخيرة، زادت إيران تورطها في الإرهاب الفلسطيني، وتحديداً من خلال تقديم المساعدة العسكرية والمالية لمنظمتي الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)».
ويضيف الكاتب أن «المجال الثاني يتعلق بالصواريخ الإيرانية. ففي حوزة إيران أخيراً صاروخ باليستي عملياتي من طراز (شهاب 3) يغطّي مداه كل الأراضي الإسرائيلية. إلا أن التهديد المركزي الماثل في الأفق، والذي سيكون سيفاً مصلطاً على رقابنا، يتحقق إذا ما امتلكت إيران السلاح النووي. وهو تهديد كان مورد خلاف على مدى سنوات، لكن في السنوات الثلاث الأخيرة، تقلّص الخلاف في هذا المجال، إذ تكشّف الكثير من المعلومات عن البرنامج النووي الإيراني منذ عام 2003، وهي لا تترك مجالاً للشك في نيات إيران وسعيها إلى تطوير سلاح نووي».
ويبحث كام في الفترة الزمنية التي تستطيع طهران أن تصل في نهايتها إلى امتلاك القدرة النووية والقدرة على تفعيلها عسكرياً، باعتبار أن توقيت تفعيل الخطر يحتل مكاناً متقدماً في تحديد الخطر نفسه، وخاصة أن أي معالجة مسبقة للخطر تنخفض إلى أدنى مستوياته. ويقول إنه «يوجد خلاف في هذه المسألة يتعلق بشقين: ما هو الوقت الباقي لإيران للوصول إلى السلاح النووي، وهل يمكن صدّ إيران عن هذا السلاح؟».
ويشير كام الى أن «الجدول الزمني الذي يفصل إيران عن القدرة النووية غير واضح. ويمكنها أن تصل إلى القنبلة النووية الأولى خلال ثلاث سنوات، بحسب تقدير الاستخبارات الإسرائيلية. أما تقديرات الاستخبارات الأميركية فتمدد الجدول الزمني لسنتين أو أكثر قليلاً. إلا أن الإطار الزمني يبقى إطاراً عاماً، والمحاولات السابقة لتقديره منيت بالفشل ولم تصمد أمام اختبار الواقع. من شأن الجدول الزمني أن يتقلص إذا تبين أن إيران تدير نشاطات نووية سرية غير معروفة، تمكنها من التقدم بوتيرة أسرع، لكن من جهة أخرى يمكن أن يتمدد الجدول الزمني إذا واجهت إيران عقبات تقنية في تطوير برنامجها النووي، أو إذا وافقت على تجميد جزء من برنامجها ضمن إطار اتفاق دولي معها».
وينتقل كام إلى البحث في الوسائل المتاحة أمام إسرائيل والولايات المتحدة لصد إيران، فيرى أن هناك طريقتين، الأسلوب السياسي والأسلوب العسكري، ويفصّل فيقول:
«في هذه المرحلة، يمكن كبح إيران ومنعها من الوصول إلى السلاح النووي بطريقين: الطريق السياسي، أو من خلال عملية عسكرية. الأفضلية اليوم هي للمسار السياسي، لأن الطريق العسكري دونه مشاكل كثيرة، إضافة إلى أنه منذ عام 2003، انتظمت للمرة الأولى جبهة دولية لممارسة الضغط الشديد على إيران لحثها على التراجع عن نشاطها النووي المشبوه، وتحديداً في مجال تخصيب اليورانيوم. في إطار هذا الضغط، عُرضت على إيران رزمة عصا وجزرة، متمثلة بتسهيلات اقتصادية وتكنولوجية إذا تراجعت عن نشاطها النووي المشبوه، إضافة إلى التهديد بعقوبات اقتصادية وسياسية إذا استمرت في مساعيها، إلا أن إيران ما زالت تتهرب، والمسألة مطروحة على مجلس الأمن للمعالجة، ويمكن القول بإمكان الوصول إلى اتفاق معها تجمّد إيران بموجبه نشاطها النووي المشبوه، شريطة أن يوضع أمامها تهديد بعقوبات اقتصادية مهمّة ومتواصلة، وهو تهديد لم ينشأ إلى الآن، ولا اتفاق دولياً عليه».
ويشدد الباحث على أن الأسلوب العسكري لصد إيران هو أسلوب يحمل إشكالية وتعقيداً أكثر بكثير من الأسلوب السياسي، نتيجة لمخاطره وانعكاساته على إسرائيل وعلى الأميركيين، مشيراً الى أن للولايات المتحدة، دون إسرائيل، القدرة على تفعيل هذا الأسلوب، ويقول في ذلك: «الطريق العسكري لكبح إيران معقّد ويحمل تداعيات سلبية أكثر من الطريق السياسي. هناك عملياً دولتان مرشحتان لتنفيذ عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، هما الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وهاتان الدولتان تصرّحان بين الحين والآخر بأنهما لا تستبعدان الخيار العسكري. أما باقي الدول فتعارض هذا الخيار ولن تشارك فيه. يشوب الخيار العسكري مخاطر ملموسة ومشاكل عملياتية صعبة، ونتائجه غير مضمونة، لأن لدى إيران القدرة على الرد بشكل معين على إسرائيل والولايات المتحدة. ومن بين هاتين الدولتين، للولايات المتحدة استعداد أفضل لتنفيذ عملية عسكرية، سواء من الناحية العملياتية أو لجهة قدرتها على مواجهة انعكاساتها».
وينتقل الكاتب إلى العوامل المانعة لإيران من استخدام السلاح النووي إذا حصلت عليه، قافزاً عن الخيار السياسي والعسكري لمواجهة إيران، متحدّثاً عن الثمن الذي ستدفعه طهران إذا أقدمت على استخدامه ضد إسرائيل، وهو ما يمكن اعتباره إشارة إلى يأس بدأ يتسلل إلى الجهات البحثية في إسرائيل:
«أولاً: للولايات المتحدة الأميركية قدرة ردع مهمة جداً تجاه النظام الإيراني، وهذا يعود إلى العلاقات الخاصة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة، وسيفترض النظام الإيراني أن ضربة نووية إيرانية على إسرائيل ستؤدي إلى ضربة نووية أميركية لإيران.
ثانياً: تعتقد إيران أن لدى إسرائيل ترسانة نووية كبيرة، ومن المنطقي أن تقدّر أن لدى إسرائيل القدرة على توجيه الضربة الثانية إذا ما هوجمت بسلاح نووي، والنظام الإيراني سيضطر إلى أن يأخذ بالحسبان الرد الإسرائيلي الذي قد يسبب مقتل مئات الآلاف من الساكنين في طهران، فضلاً عن الأضرار المادية الهائلة، وقد يؤدّي أيضاً إلى سقوط النظام نفسه.
ثالثاً: يمكن القول إن إيران تطوّر سلاحاً نووياً لحمايتها (سابقاً) من النظام العراقي، و(حالياً) من الولايات المتحدة. وبرغم أن النظام الإيراني يريد تدمير دولة إسرائيل، يفترض به أن يحتفظ بهذا السلاح لوضع أكثر خطورة».
ويضيف الباحث إلى العوامل الثلاثة المانعة لإيران من استخدام السلاح النووي ضد إسرائيل، إذا حصلت عليه، اعتبارات أخرى ترتكز في مجملها على الأوضاع الداخلية في إيران، ويرى أنه يمكن المراهنة على نجاح الإصلاحيين من جديد رغم إخفاقهم المتواصل منذ عام 2003، وهي رؤية تحمل تناقضات واضحة. يقول:
«هناك اعتبارات على المدى الطويل: فإيران تشهد تغيرات داخلية مهمة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وفي أساس هذه التغيرات مطلب جزء من الجمهور الإيراني بالحرية السياسية والشخصية، ورفع مستوى المعيشة واجتثاث الفساد، وهي عملية حققت إنجازات مهمة للمطالبين بالإصلاح، لكنها إنجازات ضاعت جميعها منذ عام 2003، ويعود ذلك إلى غياب الزعامة ومصاعب في التنظيم لدى الإصلاحيين. لكن الضغوط لا تزال قائمة، وهناك إمكان لتغيير النظام وجهته مع صعوبة في تقدير الجدول الزمني لذلك، وإذا حصل هذا واعتدل النظام الإيراني، فإن خطر التهديد الإيراني سيكون مختلفاً».
وبرغم الأسباب التخفيفية التي ساقها الباحث في عرضه التهديد النووي الإيراني، يعود ويستدرك بأن للتهديد أبعاداً مقلقة، تمتد لتشمل، إضافة إلى إسرائيل، الدول العربية «المعتدلة»، وسيسبب سباق تسلح نووي في المنطقة، ويعزز من قدرة «الإرهاب» وقوته. يقول:
«رغم كل ذلك، لا يزال التهديد النووي الإيراني يحمل أبعاداً مقلقة:
أولاً: من شأن إيران نووية أن تنتهج سياسة أكثر عدوانية، وهذه العدوانية قد يعبّر عنها من خلال صراعات مع جاراتها ومن خلال استخدام الإرهاب، بما في ذلك استخدام حزب الله، ضد إسرائيل وضد الدول النفطية في المنطقة.
ثانياً: ستكون إيران النووية العمود الفقري للمعسكر الراديكالي في الشرق الأوسط، وفي العالم الإسلامي، وستحاول ممارسة مزيد من الضغوط على الدول المعتدلة للسير وفق سياستها، بما يشمل العلاقات القائمة مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة.
ثالثاً: من شأن إيران نووية أن تدفع دولاً أخرى إلى سباق تسلح نووي، والدول المرشحة لذلك هي مصر والسعودية، إضافة إلى العراق على المدى البعيد».
يختم كام تحليله بدعوة واضحة ومباشرة إلى إقامة نوع من الاتصال بين إيران وإسرائيل وبينها وبين الولايات المتحدة، يساهم في فهم الآخر وإدارة الأزمة وتقليص احتمال تدهور نووي إلى حده الأدنى:
«لا تملك إيران وسيلة اتصال كافية مع الولايات المتحدة، كما لا تملك وسيلة اتصال فعلية مع إسرائيل. وإذا كان صعباً على إسرائيل وأميركا فهم منظومة الاعتبارات وطريقة اتخاذ القرارات لدى النظام الإيراني، فالأمر مشابه لدى الجانب الإيراني في ما خص إسرائيل وأميركا، وخاصة انه لا قواعد تصرّف في الموضوع النووي في الشرق الأوسط، وهو وضع يستدعي عدم فهم الآخر والتركيز على اعتبارات خاطئة وناقصة في اتخاذ القرارات لدى الجانبين، إضافة إلى صعوبة في إدارة الأزمات ومنعها قبل تطورها.
وعلى الجانبين أن يسعيا إلى بناء قنوات اتصال ضمن الحد الأدنى، ولو غير مباشرة، وإلا فإن احتمال التدهور النووي سينمو ويتزايد».