مهدي السيد
مخاوف من إمكانية استهداف الـ «يونيفيل» وإقرار بصعوبة مراقبة الحدود اللبنانية السورية

«ارتياح حذر» إسرائيلي من الوضع الذي يسود الحدود مع لبنان، لا يحجب علامات استفهام كثيرة تطرحها إزاء الغموض الذي يلف طبيعة السياسة التي ينتهجها حزب الله، والتحفظ والخشية من النشاط المخفي للحزب. ولعل أبرز هذه التساؤلات: متى يحصل الصدام المقبل؟
على الأقل هذا ما يشير إليه تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» أمس، أوضح أنه بعد أسبوعين على الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، فإن الوضع على طول الحدود بدأ في الاستقرار. وبحسب التقارير، يتحدث ضباط الجيش الإسرائيلي عن تعاون معقول مع ممثلي الأمم المتحدة والجيش اللبناني، وعن حضور لحزب الله في الجنوب بوتيرة منخفضة مع حوادث قليلة وطفيفة.
ويتطرق تقرير «هآرتس»، الذي أعده مراسل الشؤون العسكرية للصحيفة عاموس هرئل، ومراسل الشؤون العربية فيها يوآب شتيرن، إلى آلية التنسيق بين الجيش الإسرائيلي واليونيفيل والجيش اللبناني، مشيراً إلى أن هذه الآلية استخدمت مرات عديدة كالتالي: تنقل إسرائيل تحذيراً عن وجود نشاط شاذ أو مشبوه في جنوب لبنان، فتصل اليونيفيل إلى المكان بسرعة ويصل بعدها الجيش اللبناني. ويضيف التقرير أن إسرائيل نقلت إلى لبنان معلومات عن عشر نقاط مشبوهة، بعضها في عمق المنطقة، وقد وصل الجيش اللبناني اليها وقام بفحصها من دون العثور فيها على شيء جوهري.
وحتى الآن لم تسجل التقارير الإسرائيلية أي حالات حصلت فيها مواجهة بين اليونيفيل أو الجيش اللبناني ومسلحين من حزب الله. ومع ذلك، تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن اللبنانيين لا يقومون من تلقاء أنفسهم بعمليات بحث وتفتيش عن معلومات تتعلق بحزب الله، لكنهم يعالجون الوضع عندما تُنقل إليهم معلومات عبر الأمم المتحدة.
وتنقل «هآرتس»، في تقريرها، عن الجيش الإسرائيلي تقديره أن ضباط الجيش اللبناني يحرصون على التأكد من أن حزب الله سيبتعد عن المكان المقصود قبل وصولهم إليه بغية تجنب المواجهة، وهو ما يشكل مصلحة لجميع الأطراف حتى الآن، بمن فيهم حزب الله، الذي يتصرف وفق القواعد المرسومة، حيث يتحرك عناصره بملابس مدنية ومن دون سلاح ظاهر. وتفيد تقديرات الجيش الإسرائيلي أيضاً بأن حزب الله لا يزال في الجنوب وأنه يحتفظ بمواقع جنوبي نهر الليطاني.
ومع ذلك، تفيد التقارير بأن من الصعب القول حتى الآن إذا كان الأمر يتعلق بعودة الهدوء إلى الحدود أو إن الأمر يتعلق بسياسة تخدير يتبعها حزب الله في انتظار الانفجار المقبل. وبحسب التقرير، فإن الوضع الراهن الآخذ في التبلور بين الطرفين يشير إلى أن حزب الله يخفي نشاطه المسلح وأن الجيش اللبناني واليونيفيل لا يبحثون عن نشاط كهذا.
وتوقف التقرير عند قوة الجيش اللبناني المنتشرة ونشاطها، فأشار إلى أنه ينشر الآن أربعة ألوية تضم 8000 جندي في الجنوب، وأن هذا الجيش بدأ ببناء مواقع له في المنطقة، وأنه يرفع تقارير تفيد بأنه نشر حواجز على الطرق وأجرى تفتيشات عن السلاح في السيارات، بيد أن الجيش الإسرائيلي يجد صعوبة في تقدير مدى صحة هذه المعلومات عن تفتيش السيارات، وهي قضية تراها إسرائيل مهمة جداً بالنسبة إليها، بحسب تقرير «هآرتس» الذي نقل عن ضابط رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي قوله إن «اللبنانيين يظهرون نية حسنة وثقة بقدرتهم، لكنهم يحتاجون إلى وقت طويل لاستكمال تنظيم أنفسهم، إذ إنهم يشتكون أيضاً من نقص العتاد المناسب».
ويشير التقرير أيضاً إلى أن لبنان يدعي أيضاً بأن جنوده يجدون صعوبة في تمشيط بعض النقاط المشبوهة التي يفيد عنها الجيش الإسرائيلي خشية من القذائف الإسرائيلية التي لا تزال في المنطقة. وبالنسبة إلى جهاز التنسيق بين الأطراف، يذكر التقرير أنه يعمل بصورة جيدة، حيث تحصل لقاءات أسبوعية بين مندوبي الأطراف الثلاثة في قيادة الأمم المتحدة بالناقورة.
وإزاء الوضع على الحدود، يشير التقرير إلى بروز هدوء ملموس على طول السياج، ويلفت إلى أنهم في الجيش الإسرائيلي مقتنعون بأن حزب الله هو من يقف وراء التحرشات والاستفزازات التي يقوم بها مدنيون قرب الحدود، وأن الجيش اللبناني وعد الآن أن يكون أكثر حزماً حيال المسيرات.
بيد أن ثمة عودة مقلقة لعلامات الماضي يمكن تلمسها في منطقة مزارع شبعا، بحسب التقرير، حيث يدخل عدد من الرعاة اللبنانيين إلى «أراضي إسرائيل»، بحجة البحث عن قطيع مفقود. وينبع القلق من خشية الجيش الإسرائيلي من أن يكون الأمر يتعلق بجمع معلومات استخبارية من جانب حزب الله، ولهذا بدأت اليونيفيل بوضع علامات للحدود في المنطقة التي لا يوجد فيها سياج، عبر وضع لافتات تحذيرية.
وبالانتقال إلى الحدود اللبنانية ــ السورية، يرى التقرير أن الوضع هناك أكثر إشكالية، وأن إسرائيل تقدر بأن تهريب السلاح يتواصل. وبحسب ضابط إسرائيلي رفيع المستوى فإن «هذه نقطة ضعف. فالرقابة هناك ليست واعدة. من الصعب حراسة حدود بهذا الطول، من دون وسائل تكنولوجية جيدة، إنها مهمة شبه مستحيلة».
وبحسب التقرير، ثمة قضية أُخرى مثيرة للقلق تتعلق بهجوم محتمل ضد اليونيفيل. «فهل المسلمون سيرون في هذه القوة حضوراً أجنبياً، مسيحياً، يؤدي في النهاية إلى تعرض عناصرها لعمليات؟ ومن المهم بالنسبة للأمين العام للأمم المتحدة أن يكون هناك مسلمون في هذه القوة، ولذلك سيشترك قريباً في هذه القوة ألف جندي إندونيسي وثمة مفاوضات متقدمة لإرسال جنود من تركيا وماليزيا».
بيد أن السؤال الكبير الحقيقي، بحسب التقرير، هو: متى سيحصل الاشتباك أو الصدام الحقيقي الأول على طول الحدود مع إسرائيل؟ الجواب، وفق التقرير، هو أنه حتى الآن يبدو حزب الله معنياً بتوظيف جهوده في ترميم مكانته الداخلية في لبنان، بيد أن «مصالحه قد تتغير لاحقاً». وفي مثل هذه الحالة، ليس واضحاً كيف سيصمد النظام الجديد، أي القرار 1701، وأي حزم سيظهره الجيش واليونيفيل في مقابل حزب الله، وهو ما لم تتميز به هاتان القوتان في الماضي، بحسب التقرير نفسه.