محمد بدير
استحوذ الملف الأمني، بأبعاده السورية واللبنانية والإيرانية والفلسطينية، على نقاشات جلسة الحكومة الإسرائيلية أمس، والتي شكلت مناسبة لتكرار جملة من المواقف المتشددة تجاه جبهات الصراع الأربع

تنقّل رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، في تناوله للملفات الأمنية الساخنة، بين تجديد رفضه لدعوات الحوار السورية، وتشديده على متابعة تنفيذ القرار 1701 لبنانياً، مروراً بالتأكيد على مساعي إحباط البرنامج النووي الإيراني، وصولاً إلى إعلان انتهاج سياسة القوة على الساحة الفلسطينية في مواجهة صواريخ القسام.
وأتت تصريحات أولمرت على خلفية عرض استخباري قُدّم خلال الجلسة تحدث عن استمرار وجود الجيش السوري في حالة تأهب منذ العدوان على لبنان، وعن تواصل عمليات تهريب السلاح إلى قطاع غزة عبر الحدود المصرية، وإلى لبنان عبر الحدود السورية.
وهاجم أولمرت، خلال الجلسة الحكومية، الرئيس السوري بشار الأسد، معتبراً أن «ثمة قراراً مشتركاً بين سوريا وحزب الله لإسقاط حكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة»، وأضاف، في رد على مواقف لمسؤولين إسرائيليين دعوا إلى التفاوض مع سوريا، «لكل من يهمّهم أمر الأسد والتواقين إلى السلام الذي يقترحه، عليهم أن يتذكروا أن هذا هو الأسد نفسه الذي يسعى إلى إسقاط السنيورة، وهو نفسه الذي سنتوجه معه إلى عملية سياسية، فيما (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) خالد مشعل موجود عنده ويعمل بحرية. إنه الأسد نفسه الذي سنجري معه مباحثات سلام سرابية».
وحول الوضع في لبنان بعد العدوان، تساءل أولمرت «هل هو أفضل الممكن؟». وقال «كنا نرغب في أن نرى حزب الله يتجرد من سلاحه، لكن ليس هذا ما يحصل. الوضع تغير. لا ينشط رجال حزب الله في الجنوب (اللبناني)، حيث يتواجد 15 ألف جندي لبناني، إضافة إلى القوات الدولية».
وتطرق أولمرت إلى الملف النووي الإيراني، فرأى أن «التهديد الاستراتيجي على إسرائيل يأتي من إيران»، معتبراً أن «هذا التهديد جدي، ليس فقط على إسرائيل، وإنما على كل المجتمع الدولي». وأوضح أن «الخشية الدولية، لا الإسرائيلية فقط، هي من انتقال القنبلة النووية الإيرانية إلى أيدي جهات كحزب الله، لا دولة ولا مسؤولية ولا أرض لها، وهي لا تخشى أيضاً من رد الفعل الإسرائيلي». وخلص أولمرت إلى القول إن «من يستخف بكوريا شمالية نووية، سيحصل على سلاح نووي في إيران، وفي نهاية المطاف أيضاً، على قنبلة نووية في أيدي القاعدة».
أما في الموضوع الفلسطيني، فكان أولمرت صِدامياً على وجه خاص، ولا سيما أنه تعرض لانتقادات من بعض الوزراء لما رأوه رداً إسرائيلياً غير كاف على استمرار سقوط صواريخ «القسام». وشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن حكومته لن تسمح بتساقط القسّام «بهذه الوتيرة»، وستعمل «بكامل القوة من أجل خفضها (الوتيرة)». وإذ أكد على عدم اعتماد ضبط النفس في الرد على هذه الصواريخ، استنجد أولمرت بعدد الشهداء الفلسطينيين الذي سقطوا في نهاية الأسبوع الماضي (17 شهيداً) للتدليل على صحة كلامه. واستطرد قائلا «لم نصدر بعد تعليمات بقصف كل سنتيمتر في غزة. نحن نسير على حبل دقيق، ولا نريد أن نثير علينا العالم». وتطرق أولمرت إلى لقائه المفترض مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مشيراً إلى أنه لم يحصل بسبب إصرار الأخير على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين قبل حصوله، وهو ما قال أولمرت إنه يرفضه.
وخلال الجلسة الحكومية، قدم رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، العميد يوسي بيدتس، عرضاً استخبارياً للوضع على الجبهتين السورية واللبنانية، وكذلك على الجبهة الفلسطينية. وقال بيدتس إن «بشار الأسد يعدّ جيشه لمواجهة محتملة مع إسرائيل»، مشيراً إلى أن الجيش السوري لم يُعِدْ، بعد انتهاء العدوان على لبنان، انتشار قواته في الوضعية التي كانت عليها قبل الحرب. وأوضح أن هذا الانتشار هو انتشار دفاعي وليس هجومياً، وهو ناشئ عن تقدير الأسد بأن إسرائيل قد تهاجم سوريا، مشيراً في هذا المجال إلى «وضعية الانتشار الخاصة للمنظومة المدفعية والصاروخية» السورية.
ورأى بيدتس أن «السوريين يواصلون محاولاتهم لعرقلة تطبيق القرار 1701... وللمسّ بسيادة حكومة السنيورة، من خلال إيجاد كتلة مانعة أمامها». وتحدث عن توفر «أدلة قاطعة»، للمرة الأولى بعد العدوان، على تورط جهات سورية رسمية في تهريب السلاح إلى حزب الله. وتسبب ما أدلى به بيديتس بإحراج لأولمرت الذي قاطعه قائلاً إنه تلقى حتى الآن أجوبة سلبية حول وجود أدلة كهذه لدى المؤسسة الأمنية، وشدد على ضرورة حصوله على معطيات دقيقة بهذا الخصوص لتقديمها إلى المجتمع الدولي.
وفي الشأن الفلسطيني، قال بيديتس إن حركة حماس تعمل على تهريب صواريخ مضادة للطائرات إلى قطاع غزة، الأمر الذي يعرض حركة سلاح الجو الإسرائيلي في سماء القطاع للخطر.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس أن «الفلسطينيين نجحوا في تهريب العشرات من الصواريخ المضادة للدبابات من طراز كونكورس التي من شأنها أن تلغي تفوق المدرعات الإسرائيلية التي تنشط في القطاع». ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية تأكيدها أن «الجنود الإسرائيليين قد تعرضوا في منطقة خان يونس (خلال اليومين الماضيين) إلى إطلاق عدد من القذائف المضادة للدبابات»، وأن «هناك على الأقل 20 صاروخاً من النوع المتطور نفسه الذي استخدمه مقاتلو حزب الله في لبنان».
وأشارت الصحيفة إلى أن «هذه الصواريخ تضاف إلى سلسلة من الوسائل القتالية التي تملكها حماس في قطاع غزة، والتي تتضمن أطناناً من المواد المتفجرة وصواريخ غراد محسّنة، إضافة إلى بنادق للقناصة»، وكل هذه الأسلحة «هربت إلى القطاع بواسطة أنفاق جرى حفرها تحت محور فيلادلفي» على الحدود مع مصر.
ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع الإسرائيلي، عامير بيرتس، قوله في محادثات مغلقة إنه «من المحظور تحول قطاع غزة إلى جنوب لبنان، فلقد استخلصنا العبر من لبنان بشكل جيد، وستعمل إسرائيل على منع تسليح المنظمات الإرهابية ومنع انضمام حماس إلى محور الشر الإيراني».
ورأى مراسل الصحيفة للشؤون العسكرية، أليكس فيشمان، أن كل الأنشطة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي «لعرقلة القوة العسكرية لحماس وتشويشها لا تكفي لحل المشكلة»، وخاصة أنهم «في إسرائيل يتابعون خبراء الإرهاب الذين عادوا من الخارج إلى القطاع بعد أشهر من الإعداد والتدريبات في لبنان، والذين يقومون رغماً عنا بعمليات تدريب ممولة من حماس».
ونقل فيشمان عن مصادر عسكرية قولها إن «ما يحدث في غزة في هذه الأيام ما هو إلا مقدمة لانفجار كبير، وإسرائيل تسير بيقظة وإدراك وفهم نحو مجابهة مباشرة مع حماس في غزة». ويشير فيشمان إلى أن «المواجهة في قطاع غزة كانت ستحدث وفقاً للتقديرات الإسرائيلية خلال الصيف الماضي، إلا أن حرب لبنان غير المخططة جاءت لتخلط كل الأوراق. فقد كان النشاط العسكري الاسرائيلي قد سرّع من تراجع قوة حماس عسكرياً، والآن يعود الجيش إلى المهمة بقوة وعنفوان أكبر».