محمد بدير
تتراكم المعطيات والأدلّة يوماً بعد آخر بشأن دور الإدارة الاميركية في دفع الحكومة الاسرائيلية إلى رفض دعوات الرئيس السوري بشار الاسد المتكررة إلى استئناف المفاوضات السياسية، إذ تشترط واشنطن أن تكون المفاوضات على المسار السوري من ضمن استراتيجية عامة تلبّي المطالب الاسرائيلية والاميركية على حد سواء.
وفي هذا السياق، كشف وزير الامن الداخلي الاسرائيلي آفي ديختر، أنه ما دامت الادارة الاميركية ترى مشكلة مع سوريا، فلا تستطيع إسرائيل أن تتجاهل ذلكوعدَّل ديختر موقفه من إجراء محادثات مع دمشق، في أعقاب لقائه مع مستشار الامن القومي الاميركي ستيف هيدلي، واشترط لإجرائها ثلاثة أمور، متماهية مع المطالب الاميركية من سوريا، وهي «اغلاق مقار قادة المنظمات الارهابية في دمشق، ووقف دعم حزب الله والتدخل في الشؤون اللبنانية، ومنع دخول الإرهابيين من سوريا الى العراق»، وذلك بعدما اعرب لإذاعة الجيش الاسرائيلي قبل اسابيع فقط، عن تأييده لإجراء هذه المفاوضات إذا تبين أن هناك من يمكن وما يمكن الحديث معه وفيه.
ويقول مراسل صحيفة «هآرتس» في واشنطن شموئيل روزنر، إن «الأميركيين ينظرون إلى تصريحات الرئيس السوري بشار الاسد المتكررة عن السلام بأنها ليست سوى محاولة للتملص من الحصار المفروض عليه ومن الآثار المحتملة للتحقيق في مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وأن الإدارة الاميركية غير مهتمة بحصول تقدم على الساحة الاسرائيلية ــ السورية كمسار منفصل، بل أن يكون ذلك من ضمن تنسيق وتفهم لحاجات كل الاطراف».
وقال روزنر إن غالبية المسؤولين الاميركيين الذين يتعاطون الشأن السوري، لا يثقون بمواقف الاسد، فقد وصف مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط دافيد ولش الموقف السوري بأنه «مُربك». ويلتقي مارتن انديك، الذي شغل المنصب نفسه في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون، مع ولش، حيث عبّر عن شكه في جدية موقف الرئيس السوري، معتبراً أنه لم ينجح في «اي اختبار للجدية والنيات».
ويرى روزنر أن الاسباب الكامنة وراء معارضة الولايات المتحدة، ثم الحكومة الاسرائيلية، لإجراء مفاوضات مع سوريا، تعود الى تشديد الادارة الاميركية في هذه المرحلة على تعزيز «جبهة المعتدلين» للزعماء العرب السنة ضد المحور الشيعي بقيادة ايران. ووفقاً لرأي الاميركيين، فقد اختارت سوريا الارتباط بإيران وحزب الله، وأي «مفاوضات معها ستمثّل مكافأة لها على اختيارها الجهة غير الصحيحة من الجبهة». ويخشون في الادارة، أيضاً، من أن يعرقل التقدم مع السوريين امكان التقدم على المسار الفلسطيني.
ويعقّب روزنر على المبرر الأخير بقوله إنه دليل إضافي على أن السلوك «غير المسؤول» للأسد يؤدّي الى نتائج افضل من تلك التي يجلبها السلوك «المسؤول» للرئيس الفلسطيني محمود عباس، خصوصاً في ظل عدم امكان اجراء مفاوضات متوازية على المسارين السوري والفلسطيني في آن، لأسباب سياسية وحزبية، على الاقل وفقاً لرأي المسؤولين الاميركيين الأكثر خبرة بالملفين المذكورين، دنيس روس ومارتين انديك. ولا يحاول الأميركيون إخفاء خلفياتهم أو مواقفهم، بل إنهم واضحون في محادثاتهم مع المسؤولين الاسرائيليين، ويقولون «ليس هذا الوقت ولا هذه الطريقة هي الملائمة لإجراء محادثات مع سوريا».
ويشدد الأميركيون، وفقاً لروزنر، على انه «اذا أردتم اجراء محادثات مع سوريا، فعليكم ان تبلوروا صيغة تخدم الاستراتيجية العامة، أي تحل لإسرائيل مشكلة الحدود الشمالية ومقار القيادة للمنظمات الارهابية الفلسطينية، ولكن تقنع الولايات المتحدة بأن تسحب سوريا يديها من لبنان نهائياً وتساعد أيضاً في الجهود لترميم جارتها العراق».
وينقل روزنر عن انديك اعتباره أن العامل الاميركي هو السبب الاساسي الحاسم لرفض الحكومة الاسرائيلية اليد السورية الممدودة، إلا أن جهات اسرائيلية تنفي ذلك وترى أن الموقف الاسرائيلي كان مشابهاً للموقف الاميركي منذ البداية.
ويشدّد مصدر دبلوماسي على انه «لا فارق حقيقياً بين الموقفين»، رغم اقراره بأنه «ينبغي اخذ موقفهم بالحساب».