عمان | تُقْدم الحكومة الأردنية، برئاسة عبد الله النسور، على تجاوز الخطوط الحمر شعبياً، بعد إعلان نيتها «تحرير أسعار الطحين»، أي رفع الدعم عنها، وذلك لأن من يستفيد من الدعم المخصص للأردنيين هم «الغرباء»، كما يقول النسور عقب إطلاق رؤية حكومته اﻻقتصادية للمملكة حتى عام 2025.
هكذا، يتجاوز الرجل ما كرر المسؤولون الحكوميون عبر الحكومات المتعاقبة، أنهم لا يمكنهم فعله، وهو رفع أسعار الخبز، قوت المواطن وغذاؤه الأساسي، بل قالوا إن الرفع قد يصيب كل شيء، مثلما جرى مع المحروقات، باستثناء الرغيف!
والآن يدور الحديث عن «تحرير أسعار القمح بحجة توجيه دعمه إلى مستحقيه»، وذلك بعد تمهيد بعدد من التصريحات على مدار العامين الماضيين، فيما تقول مصادر إن السبب الذي دفع إلى ذلك هو ازدياد أعداد اللاجئين السوريين، وفوقهم أخيراً آلاف اليمنيين والليبيين الذين فضلوا البقاء في المملكة، طبقاً للنسور الذي كان يرد على أسئلة الصحافيين خلال مؤتمر الاثنين الماضي، لإطلاق الخطة الاقتصادية العشرية للمملكة. ووفق بعض الأرقام غير المؤكدة، فإن في المملكة أكثر من 10 ملايين شخص منهم ستة ملايين أردني فقط.
في المؤتمر الذي حضره مراسل «الأخبار»، أوضح رئيس الحكومة أن «الدولة تشتري القمح بـ350 ديناراً أردنياً للطن، وتبيعه للمخابز بـ50 ديناراً»، ما يعني أنها تخسر 300 دينار في كل طن (1 دولار = 0.7 دينار)، وهذا الدعم، يقول النسور، أكثره يذهب إلى السياح والعمال الوافدين، بل «هناك تهريب إلى الخارج، وأيضاً استعمال الطحين علفاً للأغنام»!
في المقابل، يقول نقيب أصحاب المخابز عبد الإله الحموي إن دراسة أجرتها النقابة تشير إلى أن رفع أسعار الخبز تدريجاً، ابتداءً من خمسة وعشرين قرشاً للكيلو (ربع دينار) بدلاً من ستة عشر قرشاً، سيوفر على الحكومة ما يقارب تسعين مليون دينار، أي نصف ما تنفقه على دعم الطحين، ولكن يجب مع ذلك «تعويض الطبقات المستحقة بزيادة رواتبهم بنسبة محددة».
أما النسور، فلمّح إلى أن وزارة الصناعة والتجارة في حكومته انتهت من إعداد خطة يلغى بموجبها الدعم الحكومي للطحين، وتصرف بدلاً من ذلك بطاقة ذكية لصرف الخبز. ومع أنه يقدر أن يصل سعر كيلو الخبز إلى ثمانية وثلاثين قرشاً، فإن الحموي يؤكد أنه سيتخطى الكيلو نصف دينار أردني.
ووفق تسريبات، تنتظر الحكومة تحديد مستقبل علاقتها مع صندوق النقد الدولي لتطبيق خطة تحرير أسعار الخبز على أرض الواقع، لأن الصندوق كان يطالب بإلغاء دعم الطحين، فيما تسعى إلى تمديد برنامج الإصلاح الاقتصادي.
في السياق، أكد المتحدث باسم وزارة الصناعة والتجارة، ينال برماوي، أمس المضي في «تحرير أسعار الطحين»، في وقت دعا فيه رئيس «جمعية حماية المستهلك»، محمد عبيدات، الحكومة، إلى التأني في اتخاذ قرار من هذا القبيل، محذراً من أنه بلا «خطة مدروسة تتجنب إصابة الفقراء في غذائهم الأساسي، قد يجلب المتاعب على البلاد». ولعل عبيدات يلمّح بالمتاعب إلى ما واجهته حكومات سابقة من جموع المواطنين الغاضبين في نيسان 1989 احتجاجاً على رفع أسعار المحروقات والأعلاف، وأدى إلى سقوط حكومة زيد الرفاعي، وفي صيف 1996 إبان حكومة عبد الكريم الكباريتي التي كان فيها رئيس الوزراء الحالي عبد الله النسور وزيراً للإعلام.
وفي ظل صمت خجول من مجلس النواب، فإن بوادر غضب جماهيري قد تنمو في حال تطبيق القرار، والذاكرة تعود في ذلك إلى احتجاج أهل الكرك ثم معان، ثم الطفيله، وكذلك العقبة. لذلك، قرر رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، يوسف القرنة، استدعاء فريق «الصناعة والتجارة» للاستفسار عن خططهم لتحرير أسعار القمح، مطالباً بـ«خطة تضمن مصلحة المواطن، ثم الخزينة».