يبدو ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مصمّماً على «إعادة صنع الدولة السعودية بأسرها، مستخدماً قوى السوق»، وفق مجلة «ذي إيكونوميست» التي نشرت أمس مقابلتها مع الأمير «الذي يمسك بالسلطة خلف عرش أبيه، الملك سلمان»، واصفة مشروعه بـ«ثورة ثاتشرية». يتبنّى بن سلمان هذا الوصف، متحدثاً عن عزمه على السير ببرنامج خصخصة واسع، يشمل قطاعات الاقتصاد الاستراتيجية بأسرها، ومنها الطاقة والصناعات العسكرية والصحة والتعليم. ويؤكد أنه «لن يكون هناك ضرائب على الدخل أو الثروة»، بل «ضرائب ورسوم يتحملها المواطن، بما فيها الضريبة على القيمة المضافة وضريبة الكفارة»، مؤكداً في الوقت نفسه تخفيض الإنفاق الاجتماعي وفاتورة رواتب العاملين في القطاع العام. أما مفهومه عن تنويع الاقتصاد، فهو يستند إلى التوسع في الصناعات الاستخراجية المنجمية، وبيع الأملاك العقارية العامة أو التي تملكها الدولة، وتنشيط السياحة الدينية خصوصاً!
ورغم تأكيد بن سلمان للمجلة أنه «لا يفرض ضرائب» جديدة على المواطنين (علماً بأن تخفيض دعم سلع استهلاكية رئيسية، وفق الميزانية التي أعلنتها الرياض الشهر الماضي، رفع أسعار هذه السلع بما يزيد على 60%)، وقوله إن ضريبة القيمة المضافة ستُفرض فقط على «الكماليات»، تنقل المجلة عن «الرسميين» في فريق عمله أن «لا محرمات» على برنامج «الإصلاح الاقتصادي»، بما في ذلك «صرف العاملين غير المنتجين في القطاع العام، وإلغاء الدعم الذي بات يراه السعوديون كحق بالولادة، وخصخصة خدمات أساسية كالتعليم والصحة، وحتى بيع جزء من أسهم درة التاج الملكي، الشركة الوطنية الكتومة، سعودي أرامكو، المنتج العالمي الأكبر للنفط والغاز».
وتلك ستكون «صفقة القرن»، وفق توصيف المجلة؛ ويكشف بن سلمان أن القرار بهذا الشأن سيُتخذ في الأشهر القليلة المقبلة، قائلاً إن من شأن ذلك أن «يعزز الشفافية ويحارب الفساد، إن وُجد» في الشركة. ويقول مسؤولون سعوديون للمجلة إن الخيارات قيد الدرس تتراوح بين بيع بعض الشركات التابعة لأرامكو، كصناعة البتروكيميائيات، وبين بيع حصص من الشركة الأم نفسها التي تنتج النفط الخام. وبحسب هؤلاء، فإن قيمة أرامكو تصل إلى «تريليونات الدولارات» (تصل بعض التقديرات إلى 7 تريليونات دولار)، مشيرين إلى أنها تملك احتياطات مؤكدة من النفط تبلغ 261 مليار برميل، أي «أكثر بـ10 مرات من احتياط إكسون موبيل، أكبر شركة نفط خاصة، وقيمتها 32،3 مليار دولار»، مضيفين أن أرامكو تضخ حوالى 10.2 ملايين برميل نفط في اليوم، أي أكثر مما تنتجه القارة الأميركية بأسرها، ما يمنحها «سيطرة لا نظير لها على الأسعار».
تتحدث المجلة عن «دعائم ثلاث لحكم آل سعود، تهتز جميعها»، وهي عهد الأسرة الحاكمة مع الوهابيين الذين يمنحونها المشروعية الدينية، وعهدها مع رعاياها الذين يقدمون الولاء للحكم المطلق مقابل «المكرمات الملكية»، ومع الولايات المتحدة الأميركية التي تحمي عرش آل سعود، مقابل ضمان الأخيرين لتدفق البترول بأسعار مناسبة. وبحسب المجلة، فإن أميركا قد فكّت ارتباطها جزئياً بـ«الشرق الأوسط»، فيما لم يعد النموذج الاقتصادي السعودي قابلاً للاستمرار، مع التراجع الحاد في إيرادات النفط، مقابل تزايد عدد السكان «غير المنتجين»، وفيما بات الحلف مع الوهابيين «يستجلب المخاطر، بسبب تأمين هؤلاء الغذاء العقائدي للجهاديين، وتشكيلهم عقبة حتى أمام الإصلاحات الاجتماعية المتواضعة، التي تشكل جزءاً ضرورياً من أي محاولة للتخفيف من اعتماد البلاد على ريع النفط، وخلق اقتصاد أكثر إنتاجية». بناءً عليه، ترى المجلة أن «من غير المستغرب» أن ينعى منتقدو المملكة الكثر آل سعود، وأن يُقدم بن سلمان على «رهانات ضخمة»، وهو المنشغل بقراءة تقارير مستشاريه الكثيرة، التي لا يُلهيه عنها «إلا تلقّي اتصال من وزير الخارجية الأميركي جون كيري».