محمد بدير
«سلة محفّزات» لحزب العمل لا تحول دون تصدعه وانهيار زعامة بيرتس

نجح رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، في إزالة آخر العقبات التي واجهت انضمام حزب «إسرائيل بيتنا»، بقيادة اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان، الى الائتلاف الحكومي، عقب الموافقة التي استحصل عليها أمس من رئيس حزب العمل، عمير بيرتس، على ذلك، ومنحه لقاءها «سلة محفزات» كانت كفيلة بجعله يتراجع عن تهديده بالانسحاب من الحكومة إذا دخل ليبرمان إليها ويتعهد بتقديم توصية في اجتماع مركز حزب العمل يوم الأحد المقبل تقضي بالبقاء داخل الحكومة.
وتضمنت «السلة» تعيين عضو الكنيست من حزب العمل، افرايم سنيه، المقرب من بيرتس، نائباً لوزير الدفاع وتأليف لجنة وزارية ترعى «الأوساط غير اليهودية» (العرب) في إسرائيل، على أن يرأسها بيرتس، في خطوة رأى فيها مراقبون «ورقة تهدئة» للوسط العربي من ناخبي حزب العمل لامتصاص اعتراضهم على ضم ليبرمان الذي ينادي بـ«تهجير العرب». كما اتفق أولمرت وبيرتس على أن يحصل حزب العمل على حقيبة وزارة الرفاه الاجتماعي إذا آلت المفاوضات الائتلافية مع حزب «يهدوت هاتوراة» إلى الفشل خلال فترة محددة.
وكان حزب «كديما» برئاسة أولمرت قد وقّع اتفاقاً ائتلافياً، يضمن دخول «إسرائيل بيتنا» إلى الحكومة. وينال ليبرمان، بموجب الاتفاق، حقيبة وزارية واحدة، تسمّى «التهديد الاستراتيجي»، وهي الحقيبة الأولى من نوعها، التي «فُصّلت» خصيصاً لليبرمان. وتعنى الحقيبة، من بين جملة أمور، بـ«التعامل مع الملف النووي الايراني». وسينال ليبرمان أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء وعضوية في المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) الذي يناقش القضايا السياسية الأمنية ويتخذ القرارات الحاسمة. وكان من المتوقع التصويت على تعيين ليبرمان، نهائياً، أمس الأربعاء، في الكنيست ومن ثم الحكومة، إلا أن أولمرت أجّل التصويت على دخوله، إلى ما بعد يوم الأحد، ليعطي بيرتس فرصة تمرير المصادقة على الاتفاق في مركز حزب العمل الذي سينعقد يوم الأحد.
بيرتس الخاسر الأكبر
وكان حزب العمل قد تحوّل إلى «مركز الحدث» في قضية انضمام ليبرمان الى الحكومة لأسباب عديدة وخصوصاً أن قادة الحزب، وعلى رأسهم بيرتس، أعلنوا معارضتهم لذلك نتيجة «مواقفه المتطرفة»، ولا سيّما أن ليبرمان قاد معاركه الانتخابية السابقة بناءً على بندين أساسيين، أولهما هو «الترانسفير»، القاضي بتهجير العرب إلى أوروبا والدول العربية، وثانيهما هو اقتراح «تبديل المناطق» القائم على أساس ضم مدن وقرى عربية في إسرائيل إلى مناطق السلطة الفلسطينية في مقابل ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، إلى الدولة العبرية. وكان بيرتس قد جزم خلال الانتخابات الأخيرة بأنه «لن يجلس الى جانب ليبرمان على طاولة الحكومة نفسها»، وتحدث في أكثر من مناسبة عن أن «العمل لن يكون شريكاً لليبرمان».
ويرى مراقبون أن دخول ليبرمان الى الحكومة الإسرائيلية يعكس، من بين جملة أمور، مدى التردي الذي يسود حزب العمل، ولا سيما أن ما حصل عليه الحزب لقاء موافقته على انضمام ليبرمان إلى الحكومة لا يبرر مستوى التنازل المبدئي الذي قدمه على هذا الصعيد، علماً أن برنامجه السياسي يكاد لا يتقاطع في شيء سياسي بارز مع برنامج حزب «إسرائيل بيتنا». وقال مسؤولون في حزب العمل إن «بيرتس محبط نتيجة انضمام ليبرمان للحكومة» رغم موافقته الأخيرة على الخطوة. وأشار هؤلاء إلى أن بيرتس «لا يستطيع أن يقود خطوة الخروج من الحكومة خوفًا من رفض قراره في المركز لذا اتخذ قرار البقاء».
ويذكر أن غالبية أعضاء الكنيست من حزب العمل عارضوا انضمام ليبرمان منذ البداية. وكان عدد المعارضين يقترب من 16 عضواً، إلا أن الاحداث الأخيرة وتهاون بيرتس مع انضمام ليبرمان للحكومة اضعفت هذه المعارضة وجعلتها تتلخص بخمسة اعضاء لا غير.
وكان بيرتس حاول مع بداية النقاش في حزب العمل ان يبني «قاعدة معارضة لدخول ليبرمان» تتشكل من كامل أعضاء كتلة الحزب النيابية، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، ووجد نفسه أخيراً بين خيارين: إما الخروج من الحكومة من دون تحقيق أي إنجاز سياسي أو اقتصادي، وبهذا يكون قد قضى على مستقبله السياسي، وخاصة بعد العدوان على لبنان، وإما البقاء في الحكومة ضعيفاً، ومحاولة ترميم مكانته المتصدعة مستفيداً من موقع السلطة.
وفي كل الأحوال، فإن قضية دخول ليبرمان إلى الحكومة ظهّرت الأزمة التي تعصف بحزب العمل بأجلى صورها، وكشفت عن مدى ضعف بيرتس في زعامة الحزب، وخاصة أمام منافسيه عامي ايالون وإيهود باراك وافيشاي بروفرمان.
أولمرت الرابح الأكبر
من جهة أخرى، يمكن اعتبار ايهود اولمرت الرابح الاكبر من انضمام ليبرمان إلى حكومته. فأولاً، سيكون ليبرمان ضمانًا لتثبيت الاستقرار الحزبي للائتلاف الحكومي، وبالتالي عاملاً مهماً في إطاله عمرها. وثانياً، سيتمكن أولمرت من استغلال وجود ليبرمان في حكومته للالتفاف على اليمين الإسرائيلي عموماً ولامتصاص أي هجوم أو نقد يوجه إليه من هذا الاتجاه. أما الامر الثالث فهو القضاء على الانتقادات السياسية الآتية من ليبرمان نفسه ضد الحكومة.
إلا أن هذا الانضمام، من جهة أخرى، لا يخلو من خطورة بالنسبة إلى أولمرت، فليبرمان لم يتطرق الى أي قضية تتعلق بـ«الخطوط العريضة» للحكومة الاسرائيلية، وكان هدفه «الانضمام فقط». ومن شأن ذلك أن يولد مستقبلاً نقاشات حكومية داخلية يمكن أن تهدد استقرار الائتلاف.
أما ليبرمان الذي «يئس من الجلوس جانباً»، فلا شك في أنه رابح أيضاً من دخوله الحكومة. وقد اختار «التهديد الإيراني»، الذي يلاقي إجماعاً على الساحة الإسرائيلية، عنواناً لهذا الدخول، لعلمه أن طرح أي عنوان آخر قد يكون عقبة أمام طموحه في الوصول إلى الوزارة. لكن من ناحية أخرى، قد يضره الانضمام لأنه أثبت أن حزب «إسرائيل بيتنا» هو حزب الشخص الواحد. إذ رغم أن حزبه يملك 11 مقعداً في الكنيست، طالب فقط بحقيبة واحدة، وهي حقيبة له ليس أكثر، ما سيثير نقاشاً في الخطوط العريضة للحزب مستقبلاً.


رئيس حزب يسرائيل بيتنا الذي يمثل المهاجرين الروس في إسرائيل. شكلت النتائج التي حققها في الانتخابات الأخيرة إحدى المفاجآت الرئيسية، حيث نال11 عضو كنيست. عَلَم من أعلام اليمين المتطرف، ويشتهر بمواقفه التصعيدية في مواجهة المقاومة في لبنان وفلسطين، فضلاً عن دعوته إلى «قصف طهران وأسوان».