مهدي السيد
تتزايد المؤشرات الإسرائيلية إلى قرب شن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتداءً واسعاً ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وتشير التقارير الإسرائيلية، الأمنية والإعلامية، التي يجري تداولها بكثرة في الآونة الأخيرة، إلى وجود ميل واسع لدى المستوى العسكري الإسرائيلي بشكل عام، ولدى قائد المنطقة الجنوبية، بشكل خاص، إلى القيام بعملية واسعة ضد قطاع غزة، وحثّ المستوى السياسي على تبنّي قرار بهذا المضمون.
يبدو واضحاً لجوء المستوى العسكري إلى شن حملة دعائية واسعة للضغط باتجاه صدور قرار سياسي بذلك، وذلك من خلال إغراق وسائل الإعلام بتقارير عسكرية واستخبارية تحذر من مغبة عدم الإقدام على عملية عسكرية واسعة، وبهدف تكوين رأي عام مؤيد لعملية كهذه من خلال تخويفه من المخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها استمرار الوضع على حاله في قطاع غزة، ولا سيما في محور فيلادلفي الفاصل بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.
ثمة ملاحظتان يمكن تسجيلهما في هذا المجال. الأولى تتعلق بسيل المبررات الموجبة التي توردها المؤسسة العسكرية لشن العدوان على قطاع غزة، ولا سيما على منطقة محور فيلادلفي، حيث كثرت التقارير الأمنية الإسرائيلية التي تدّعي أنه منذ تنفيذ خطة فك الارتباط قبل أكثر من عام، والانسحاب من قطاع غزة ومن هذا المحور، تزايدت وتكثّفت، كماً ونوعاً، عمليات تهريب الوسائل القتالية إلى غزة عبر الحدود المصرية ــ الفلسطينية، وجرى الحديث عن تهريب عشرات أطنان المتفجرات من سيناء وحفر مئات الأنفاق، وتهريب صواريخ مضادة للدروع، وأرفقت كل هذه الادّعاءات بتحذيرات من رئيس الأركان شخصياً تفيد بأنه سيتعيّن على الجيش الإسرائيلي إعادة احتلال محور فيلادلفي، الذي يبلغ طوله نحو 14 كيلومتراً، ما لم تتوقف عمليات التهريب، وهذا يعني عملياً أن القرار العسكري باحتلال هذه المنطقة قد اتُّخذ وأن الأمر ينتظر نضوج ظروف أخرى، لأنه من شبه المؤكد أن عمليات تهريب السلاح لن تتوقف.
بيد أن السؤال الذي يثيره هذا الموقف يتعلق بخلفيته الحقيقية، ذلك أن الجيش الإسرائيلي فشل في منع عمليات تهريب الوسائل القتالية إلى غزة عبر سيناء في عزّ أيام الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة كله، وليس هناك من جديد يشير إلى إمكانية نجاحه في هذا الأمر الآن، وبالتالي ثمة قطبة مخفية في هذا الطرح، وهو يُحيلنا إلى الملاحظة الثانية.
يُلاحظ أن أسهم الدعوات إلى شن هجوم إسرائيلي واسع ضد قطاع غزة بدأت بالارتفاع بشكل دراماتيكي منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، ولا سيما في أوساط الضباط الإسرائيليين، الذين يرفعون لواء الترويج لمثل هذا الاعتداء، الأمر الذي يطرح تساؤلات كبيرة وجدية حول العلاقة التي تريط ما بين النتائج التي تمخّض عنها العدوان على لبنان والسعي لإعادة احتلال قطاع غزة أو أجزاء منه.
ليس خافياً على أحد أن الجيش الإسرائيلي خرج من عدوانه الأخير، بنظر كثير من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، أضعف مما دخله، على مستوى هيبته وسمعته وقدرة ردعه، وحتى أنه تحوّل إلى كيس ملاكمة توجّه إليه اللكمات الكلامية والانتقادية المستخفّة والمستهزئة من كل حدب وصوب، وهو بالتالي بحاجة إلى خطوة تعيد إليه بريقه وشهرته، وبحاجة إلى ترميم سمعته وقدرته، ليس على الحلبة الإسرائيلية فحسب، حيث ثمة ضرورة لإعادة ثقة المجتمع الإسرائيلي به، بل على الحلبة الفلسطينية بشكل خاص والعربية ـ الدولية بشكل عام. ويمكن القول إن ثمة ضرورة استراتيجية لقيام الجيش الإسرائيلي بخطوة كهذه، والمشكلة تكمن فقط في اختيار الساحة المناسبة لذلك. وبما أنه من المتعذر فعل ذلك على الحلبة اللبنانية لاعتبارات واضحة ومعروفة، أقلّها أن نتائجها غير مضمونة وقد تكون مفاعيلها عكسية؛ وبما أن المبادرة إلى ذلك على الحلبة السورية أو من خلال خوض التحدّي الإيراني، يحمل في طياته مخاطر كبيرة ويجعل منها مغامرة غير محسوبة، فإنه لا بد من البحث عن حلبة أخرى تلبي المطالب والضرورات الإسرائيلية. ولهذه الغاية ليس هناك ما هو أنسب من الحلبة الفلسطينية ولا سيما في ظل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، وفي ظل موازين القوى القائمة.
إن اختيار الحلبة الفلسطينية ساحة لتنفيس العقد الإسرائيلية، وهو اختيار يجمع، من وجهة النظر الإسرائيلية، ميزتي الحد الأدنى من الضرر مقابل الحد الأقصى من الاستفادة والتوظيف، وهو ما يجعل منه خيار الضرورة إسرائيلياً.