بررت إسرائيل مجازرها في قطاع غزة بالمجازر التي يرتكبها الجيش السعودي بحق المدنيين في اليمن، وبدت، على لسان الوفد الإسرائيلي الذي حضر المحادثات الاستراتيجية مقابل الوفد الفرنسي، كمن يطالب الدول العظمى بمعاملتها أسوة بالرياض، مشيرةً إلى أنه في الوقت الذي تُتّهم فيه تل أبيب بارتكاب مجزرة في القطاع، تسكت فرنسا، وبطبيعة الحال معها بقية الدول العظمى، عن المجازر التي ترتكبها المملكة الخليجية خلال عدوانها على اليمن.
وكشفت صحيفة «هآرتس» عن أن المحادثات الاستراتيجية بين إسرائيل وفرنسا، التي جرت الأسبوع الماضي في القدس المحتلة، تحوَّلت إلى مواجهات حادة بين كبار الدبلوماسيين من الطرفين، هاجم خلالها الوفد الإسرائيلي الحكومة الفرنسية، متهماً إياها بأنها تقصي إسرائيل وتعمل من خلف ظهرها. وتمحور السجال بين الوفدين حول مبادرة وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، لدفع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن، وتصريحاته بشأن العدوان الأخير على قطاع غزة ومكانة إسرائيل في الاتحاد الأوروبي.
وترأس الجانب الإسرائيلي مدير عام وزارة الخارجية نسيم بن شطريت إلى جانب عدد من كبار الدبلوماسيين، في المقابل ترأس الوفد الفرنسي السكرتير العام لوزارة الخارجية الفرنسية، كريستيان ماسه، إلى جانب بعثة كبيرة.
يُشار إلى أن لقاء الحوار الاستراتيجي يعقد مرة كل سنة، بين وزارتي خارجية إسرائيل وفرنسا. ويهدف اللقاء، بحسب «هآرتس»، الى إجراء مشاورات في قضايا سياسية وأمنية، وأيضاً التعبير عن التنسيق الوثيق والحوار الحميم بين الدولتين. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين قولهم إن الطرفين يحاولان خلال هذه اللقاءات التأكيد على المشترك بينهما، وأيضاً إذا كان هناك خلافات يُمتنع عن المواجهات والمهاترات.
لكن اللقاء الأخير الذي عقد في القدس كان استثنائياً، إذ منذ اللحظات الأولى اتضح للمشاركين أنه سيكون من الصعب جسر الفجوات وحل الخلافات بين الطرفين، خاصة ما يتصل بالشأن الفلسطيني.
ونقلت «هآرتس» عن دبلوماسيين إسرائيليين وفرنسيين قولهم إن تبادل العبارات القاسية التي وجّهها كل طرف للآخر، كشفت عن عمق التوتر بين الدولتين. وأضافت أن الشعور في أوساط المشاركين، أن الإحباط الكبير الذي يشعر به كل طرف تجاه الطرف الآخر، الذي تراكم في الأشهر الأخيرة، قد اندفع إلى الخارج بكل قوته.
وكانت المبادرة التي قدمها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس هي التي أدت إلى هذه المواجهات، كونها تتضمن مبادئ لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حدود الرابع من حزيران 1967، مع تبادل أراض، وجعل القدس عاصمة للدولتين، وصياغة معينة للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وتحديد جدول زمني لإنهاء المفاوضات، وعقد مؤتمر سلام دولي.
ولفتت «هآرتس» إلى أن فابيوس استجاب مؤخراً لطلب أميركي لتأجيل طرح هذه الخطوة إلى حين الانتهاء من الاتفاق النووي مع إيران في 30 حزيران، لكنه مصمّم على طرح مشروع القرار للتصويت في مجلس الأمن قبل نهاية شهر أيلول حيث ستعقد في نيويورك نقاشات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتدّعي وزارة الخارجية الإسرائيلية أن معلومات وصلتها مفادها أن فرنسا بدأت مشاورات في باريس ونيويورك مع الفلسطينيين ومع دول عربية، ومع عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بشأن نص اقتراح القرار الذي يريدون طرحه، ومع ذلك فقد امتنعوا عن إجراء مشاورات مشابهة مع إسرائيل، ولم ينقلوا إلى القدس مسودة مشروع القرار، أو على الاقل مبادئها.
في المقابل، نفى الفرنسيون أن يكونوا قد عرضوا مبادئ مفصلة على الفلسطينيين والدول العربية، وقالوا إن الأمور لا تزال في المرحلة الأولى فقط. واحتج بن شطريت بشدة على التصرف الفرنسي أثناء الحوار، بالقول «أنتم تتحدثون مع كل العالم عن مبادرتكم، وفقط معنا لا تتحدثون»، مضيفاً «يبدو أنكم نسيتم أننا طرف في الموضوع ويجب إشراكنا أيضاً فيه».
ونقل عن أحد الدبلوماسيين الفرنسيين قوله في الاجتماع إن كل المسعى في مجلس الأمن هو لمصلحة إسرائيل، وأن فرنسا تحاول بلورة صيغة تكون مقبولة من الطرفين، وتسمح باستئناف عملية السلام. لكن الجانب الإسرائيلي، بحسب «هآرتس»، لم يقتنع بالردود الفرنسية، وتحول الحوار إلى مواجهات، وتدهور إلى ما وصفه دبلوماسي إسرائيلي بأنه «حوار طرشان».
إلى ذلك، حصلت مواجهات بين الطرفين على قضايا أخرى، بينها تصريحات وزير الخارجية الفرنسي التي جاء فيها أن إسرائيل ارتكبت مجزرة في قطاع غزة خلال الحرب العدوانية الأخيرة على القطاع في الصيف الماضي. في المقابل، ردّ الجانب الإسرائيلي بالقول إن فرنسا تتهم إسرائيل بارتكاب مجزرة في قطاع غزة، بينما لا تقول شيئاً إزاء القصف السعودي لليمن. وردّ الجانب الفرنسي بالقول إنه «كان هناك المئات من القتلى المدنيين في غزة.. أنتم لا تعرفون ماذا فعل ذلك في الرأي العام في فرنسا؟».
كذلك حصلت مواجهات بين الطرفين بشأن مكانة إسرائيل في أوروبا، حيث ادّعى الجانب الإسرائيلي أن فرنسا تقود المبادرات المعادية للكيان العبري في الاتحاد الأوروبي، مثل وضع علامات على منتجات المستوطنات أو إعداد قائمة عقوبات اقتصادية. وردّ الجانب الفرنسي بالقول إنه عرض على إسرائيل رفع مكانتها في الاتحاد الأوروبي مقابل التقدم في «عملية السلام»، ولكن إسرائيل رفضت حتى مناقشة ذلك.
ونقلت «هآرتس» عن دبلوماسي فرنسي قوله إن «الجمود في عملية السلام، والإحساس في أوروبا بأن إسرائيل تنوي مواصلة توسيع المستوطنات، والانتقال إلى مبادرات دولية أخرى وأخرى في الأمم المتحدة، تثقل على التفاهمات الواسعة في مواضيع أخرى مثل النووي الإيراني وسوريا وحزب الله».
وأضاف الدبلوماسي نفسه أنه «في الشأن الفلسطيني هناك عدم اتفاق حقيقي، وهناك خيبة أمل متصاعدة في أوروبا».