محمد بدير
يكاد إيهود أولمرت يخرج عن طوره، وهو يعدّد إنجازات الحرب التي شنّها على لبنان. يسعى إلى عرض نتائج العدوان على أنها راجحة بالبداهة لمصلحة إسرائيل، وهو في هذا السياق يستعرض بحماسة ما آلت إليه الأمور، بدءاً بمقتضيات القرار 1701 (حسب التفسير الإسرائيلي له)، وانتهاءً بوجود السيد حسن نصر الله في الملجأ، مقارنة بقدرته هو غير المحدودة على التحرك.
وإذ يفعل أولمرت ذلك، يتناسى، عن قصد، الأهداف التي كان قد أعلنها بداية العدوان، وكان يؤكد في كل خطاب حربي أطلقه أنه لن يتوقف قبل إحرازها: القضاء على حزب الله وإعادة الأسيرين من دون قيد أو شرط. هذان الهدفان سلكا خلال العدوان، كما هو معلوم لكل مراقب، مساراً انحدارياً. أما الأسيران فتحوّلت المطالبة بهما إلى ما يشبه الضريبة الكلامية التي لا بد من تسديدها أمام الملأ لدى تناول موضوع وقف النار، من دون أن تستند المطالبة إلى إصرار فعلي، نتيجة اليأس من قابلية تحقّق الأمر بالصورة المطروحة إسرائيلياًوأما القضاء على حزب الله، فقد مرّ بعملية تناسخية من مراحل عديدة: القضاء على القدرة الصاروخية للحزب، ثم تقليص هذه القدرة لأن القضاء عليها مستحيل، ثم إزالة تهديدها جنوب النهر، قبل أن يستقر التدحرج في هذا المنحدر على الاكتفاء بإبعاد الحزب عن الخط الحدودي عبر نشر الجيش اللبناني وقوات دولية. وعلى ذكر القوات الدولية، تجدر الإشارة إلى أنها في صيغتها الوليدة إسرائيلياً بدأت تحت عنوان المطالبة بـقوات متعددة الجنسيات، تملك قوة ضاربة ومهمتها استكمال عملية القضاء على حزب الله.
أهداف أولمرت المعلنة لم تتحقق إذاً، وما تحقق أمر مغاير تماماً. لكن لا يمكن الاعتراف بالفشل والبقاء في سدّة الحكم. لا بد من آلية تسمح بعرض نتائج الحرب في قالب الإنجاز المهم، من دون الوقوع في محظور المبالغة الفاضحة. السبيل إلى ذلك هو ممارسة عملية مواءمة منهجية (وقسرية) بين الأهداف والنتائج، من خلال تقديم الأخيرة على أنها الانعكاس والتعبير الواقعي للأولى، بعد الخضوع للمعالجات التي تقتضيها الضرورات السياسية.
هذا بالضبط ما يقوم به أولمرت بعد الحرب. التكتيك الذي يعتمده في خطابه الشعبي والسياسي يرتكز على تطويع الأهداف لتصويرها مجسدة في النتائج، وعلى زخرفة النتائج وتزيينها لتقديمها على أنها صيغة معدّلة لأهداف الحرب. إلى أيّ حد يفعل ذلك أولمرت؟ إلى حدّ تهافته على تصريحات السيد نصر الله بشأن التقديرات حول احتمالات ردّ الفعل الإسرائيلي على عملية الأسر، واستنجاده بها، بعد اجتزائها، في معرض مرافعاته حول إنجازات الحرب.
في خطاب له الأسبوع الماضي، قال أولمرت مستدركاً، بعد استعراضه إنجازات الحرب: "...نعم، لم نتمكن من وقف الكاتيوشا، ولا يوجد لدينا أو لدى الآخرين حلّ لذلك، ولم نتمكن من إعادة الجنود، وسنبذل جهوداً لإعادتهم".
لكن، هل كانت أهداف الحرب شيئاً غير ذلك؟