تفاهم شامل تمخض عن اجتماع كامب ديفيد، أمس، قايض فيه الرئيس باراك أوباما عدم معارضة الاتفاق النووي مع إيران برزمة من التعهدات، شملت ملفات المنطقة كلها. مقايضة ثنائية الأضلع، أقرّت فيها دول الخليج بأن التسوية النووية المرتقبة تعتبر عامل استقرار في المنطقة، في مقابل نوعين من الالتزامات الأميركية: الأول، أمني عسكري، تعهدت فيه واشنطن بضمان تطوير القدرات العسكرية الخليجية والتعهد بالدفاع عن دول مجلس التعاون في مقابل أي اعتداء، بحسب ما يقرّه ميثاق الأمم المتحدة. أما الثاني، فالتزام مشترك بحل جميع أزمات المنطقة سياسياً بشكل «يمنع على إيران استغلال الانقسام لزعزعة الاستقرار في المنطقة».
نظرية أوباما بسيطة، ملخصها أن الحكومة الإيرانية ملتزمة حيال شعبها بتحسين وضعه الاقتصادي، وهو ما لا يمكن أن يحصل من دون رفع العقوبات الذي لن يتم قبل التأكد من وفائها بالتزاماتها كاملة بموجب الاتفاق النووي المزمع عقده. كذلك فإن رفع العقوبات لا يعني تعزيز قدرات إيران على «زعزعة الاستقرار» بحسب الحجة الخليجية، لكون هذه المهمة لا تتطلب، بحسب الرئيس الأميركي، أدوات معقدة ولا قدرات استثنائية.
أوباما: الاستمرار في تقوية المعارضة والوصول إلى حكومة انتقالية من دون الأسد
وبالتالي، فإن منع إيران من القيام بأمور من هذا النوع يكون عبر «بناء بنى سياسية تقوم بوظائفها بما يمنع إيران من استغلال الانقسام» لتوسيع نفوذها في المنطقة. توجه عنوانه أن حل أزمات المنطقة يكون بالسياسة لا بالعسكر، ويكون على الشكل الآتي:
في سوريا، قال أوباما «التزمنا الاستمرار في تقوية المعارضة... والوصول إلى حكومة انتقالية من دون (الرئيس) بشار الأسد». وأضاف أن «الولايات المتحدة تعمل مع المجتمع الدولي على التحقيق في تقارير عن استخدام غاز الكلور، في قنابل لها تأثير أسلحة كيميائية في سوريا»، مؤكداً أنه إذا ما «كان لدينا التأكيد اللازم فإننا سنعمل مع المجتمع الدولي وسنتواصل مع حلفاء سوريا، بما فيها روسيا، من أجل وضع حدّ لذلك ووقفه». وفي ما يتعلق باليمن، رحّب بالهدنة الإنسانية «التي كانت ضرورة». وقال «ندعم الحكومة الشرعية في اليمن»، مضيفاً أن «أميركا ودول الخليج يعلنون ضرورة التحوّل سريعاً من العمليات العسكرية إلى عملية سياسية عبر مؤتمر الرياض»، بحسب البيان الختامي المنبثق عن القمة، معربين عن أملهم «في أن تتطور إلى وقف إطلاق نار أطول وأكثر استدامة». وفي هذا السياق، أشار البيان الختامي إلى أنه «كما حدث مع العملية العسكرية في اليمن سوف تتشاور دول الخليج مع واشنطن عندما تخطط لعمل عسكري خارج حدودها، خصوصاً عندما يتطلب الأمر مساعدة أميركية». وتطرّق أوباما وكذلك البيان الختامي إلى عملية السلام، وقال أوباما إنه ما زال مقتنعاً بأن حل الدولتين الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل «حيوي تماماً»، لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وأضاف أنه يعتقد أن حل الدولتين هو أيضاً الأفضل لأمن إسرائيل على المدى الطويل.
واعترف الرئيس الأميركي بأن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام «تبدو بعيدة الآن»، مشيراً إلى أن عدداً من أعضاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا يشاركون الرأي بأن حلّ الدولتين حيوي.
أما في الشأن اللبناني فقد «عبّروا عن قلقهم إزاء تأخر انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية»، مشيرين إلى دعم حكومة بيروت في مواجهتها مع المجموعات التكفيرية المسلحة. كذلك فعلوا في الشأن المصري حيث أكدوا ضرورة تنفيذ جميع التعهدات الاقتصادية التي أقرّت في مؤتمر شرم الشيخ. كذلك جرى التأكيد على دعم الحكومة العراقية وضربات التحالف الدولي ضد «داعش»، إضافة إلى دعم حكومة هذا البلد وإجراء إصلاحات تضمن حقوق العراقيين كافة. أما في ليبيا، فقد شدد البيان على «ضرورة تشكيل حكومة وطنية». أوباما شدد على أن التزام الولايات المتحدة أمن دول مجلس التعاون الخليجي «راسخ»، معلناً عزم الولايات المتحدة على تعزيز تعاونها العسكري مع الدول الخليجية الست، لمواجهة تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة. غير أن أوباما حرص على القول للصحافيين في ختام القمة إن «الهدف من التعاون الأمني ليس إدامة أي مواجهة طويلة الأمد مع إيران أو حتى تهميش إيران». وقال إن «التوترات في المنطقة سيتلوها حوار شامل وواسع، بما في ذلك شمول إيران وجيرانها من دول الخليج».
أوباما شدد على أن «للولايات المتحدة مصالح أمنية جوهرية في استقرار منطقة الشرق الأوسط»، مضيفاً أن «التعاون بين واشنطن ودول مجلس التعاون الحجر الأساس» في هذا الاستقرار، وموضحاً أن أميركا وحلفاءها في الخليج سيعملون معاً «للتصدي لأنشطة إيران التي تزعزع استقرار المنطقة».
وأكد أوباما رداً على الهواجس الخليجية من «التقارب مع إيران على حسابهم» أن «الولايات المتحدة تبقي على التزاماتها وتحترمها»، مؤكداً أنه تمّ الاتفاق على أن «نوسع شراكاتنا في مجالات عدة وأساسية».
وفي هذا السياق، أوضح الرئيس الأميركي أنه تم الاتفاق على توسيع «تبادل المعلومات الخاصة لمكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف العنيف، بما فيه عبر الإنترنت»، مضيفاً أن الولايات المتحدة ستساعد حلفاءها الخليجيين «في تعزيز قدراتهم الخاصة للدفاع عن أنفسهم وتطوير قدراتهم الدفاعية ضد الصواريخ البالتسية». وبحسب البيان الختامي، فقد أكد المجتمعون في قمة كامب ديفيد على «التعاون... في سبيل مواجهة أي تهديد خارجي لسلامة أراضي أي من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي». وبعد انتهاء القمة، اتخذ المجتمعون صورتهم التذكارية في حديقة منتجع كامب ديفيد، حيث تحدث أوباما بشكل مقتضب مع أمير قطر تميم بن حمد الذي أشار بدوره إلى أن «كل دول مجلس التعاون الخليجي ترحّب بالاتفاق النووي مع إيران»، مضيفاً: «اتفقنا على عقد قمة أميركية خليجية العام المقبل لمتابعة ما ناقشناه في كامب ديفيد»، من دون أن يوضح مكان عقد هذه القمة ولا موعدها بالتحديد.
(الأخبار)