يوئيل ماركوس ــ هآرتس
في مثل هذا اليوم قبل سنة بالضبط، في الثاني عشر من أيلول، أغلق الجنود الإسرائيليون بوابات غزة الفولاذية. بعد 38 عاماً من الاحتلال، تم إخلاء مستوطني غوش قطيف «بإصرار وحساسية»، ولكن مع أنهار من الدموع. وغادر آخر جندي إسرائيلي أراضي غزة، من دون اتفاق ومن دون تسوية، ومن خلال خطوة سمّاها شارون «فك الارتباط». ليس صدفة أنه فيما كان اليسار الصهيوني هو الذي بدأ البناء في المناطق الفلسطينية، وكأنها كانت لهم منذ الأزل، قام اثنان من القادة المتطرفين تحديداً من دعاة أرض إسرائيل الكاملة ــ مناحيم بيغن وشارون ــ بإعادة مناطق.
مع صعود بيغن إلى سدة الحكم، وُصف على يد أسبوعية «تايم» كداعية للحرب، إلا أنه أعاد كل سيناء لمصر، وفرض بذلك سابقة إعادة الأراضي حتى آخر ملليمتر في مقابل السلام. شارون الذي عُدّ هو أيضاً رجل حرب، قام ببناء الضفة وإسكان اليهود فيها، فاجأ العالم بمقولته التاريخية بأن أرض إسرائيل هي حلم آن الأوان للاستيقاظ منه. قائد قوي مثله وأحد بناة الحلم هو الذي يستطيع فرض إرادته على أنصاره ورفاقه وتبديد الحلم نظرياً وفعلياً. وبالفعل، في مرحلة متأخرة من حياتهما، حصل هذان القائدان المتطرفان، على شرعية تأهيلية من الرأي العام الدولي.
في ظل عدم توفر شريك فلسطيني لتطبيق خريطة الطريق التي طرحها بوش، قرر شارون البدء في فك الارتباط من طرف واحد. إلا أن اليمين المتطرف والمستوطنين وغالبية أعضاء الليكود لم يغفروا له، وخاضوا صراعاً من أجل إزاحته عن سدة الحكم حتى يكبحوا الخطوة التالية: الإخلاء في الضفة. خطوة شارون تلك حظيت بدعم مكثف من الجمهور، والاستطلاعات توقعت حصول حزبه الجديد الذي شكله على 45 مقعداً برلمانياً. إلا أن خالق الكون يملك روح دعابة خاصة به، ولذلك قرر إدخال شارون في غيبوبة في لحظة تاريخية من حياة الدولة.
اليوم مر عام بالضبط على الخطوة العملية الأولى لتبديد الحلم. فما الذي حدث منذئذ؟ كل ما لم نحلم به: من اعتقد أن غزة من خلفنا، وجد أنها قد أصبحت جنوبنا. اكتشفنا أن من الممكن إخراج الجيش الإسرائيلي من غزة، إلا أن ما هو أصعب هو إخراج اليأس من شعب يرزح تحت وطأة الفقر ولا يملك ما يخسره. هم يرون الأسقف الحمراء والحقول الخضراء في المستوطنات الإسرائيلية، ويرون التطور الصناعي والحضري حول عسقلان، ويرون مصر في الجنوب وهي لا تُحرك ساكناً لمساعدتهم، فينفجرون غضباً.
في هذه السنة، اتضح أنه لا يمكن انتزاع من سكان غزة الشعور بعدم وجود ما يخسرونه. بعد شهرين على تحررهم من الاحتلال وقيامهم بالخطوة الديموقراطية، جرفت حماس انتصاراً ساحقاً رغم أنف أبو مازن. في إسرائيل يعدّون إطلاق صواريخ القسام من غزة نُكراناً للجميل. ألم نرحل من هناك؟ لماذا يواصلون إطلاق النار بدلاً من إقامة منتجعات سياحية دولية على شاطئ غزة الجميل؟ لماذا يختطفون جنودنا وينفذون عمليات تخريبية؟ نحن لا نستوعب ببساطة، إن كل هذا العنف موجه ضد أبو مازن في الواقع، وموافقته على رحيلنا من دون اتفاق ومن دون تسوية، ومن دون الحصول على شيء لرفاهيتهم.
صدق بنيامين نتنياهو عندما ادعى أن الرحيل عن لبنان وغزة من دون اتفاقات سيُفسر من قبل الفلسطينيين على أنه انتصار لهم وضعف منا. هناك ارتباط بين تعاظم قوة حماس وحزب الله بعد رحيلنا تحديداً. الهدوء والسكينة التي توقعناهما في الشمال والجنوب لم يأتيا. صرعة التصدير الإيرانية للأيديولوجية الإسلامية المتشددة والدعوة إلى تصفية إسرائيل تسقط على أرض خصبة في غزة. بعد اتفاقات أوسلو، وبعد اتفاقي السلام مع مصر والأردن، فإن الفلسطينيين لا يريدون إسرائيل هنا من فرط يأسهم.
إيهود أولمرت ليس شارون. وهو أخطأ عندما استبدل مصطلح «فك الارتباط» بمصطلح آخر هو «الانطواء»، ذلك أنه في ما يعني «فك الارتباط» قدرتنا على إخلاء مستوطنات وإعادة أراض، فإن مصطلح «الانطواء» ينطوي على مغزى أناني ومعناه: نحن سننطوي أينما نريد وكيفما يكون مناسباً لنا. أصبح واضحاً اليوم أنه من دون محادثات وتفاوض مع الفلسطينيين، ينتظر أولمرت مستقبل تحقيقات، وحكومة بلا أفق سياسي، يا لهذا اليأس؟