فتح العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان الحديث عن مفاوضات محتملة بين إسرائيل وسوريا، من ضمن مسار سياسي عام للسلام، قال الكثيرون إنه يتبلور برعاية أوروبية وأميركية، إلا أنه لم يظهر من الوقائع ما يؤيد ذلك، بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تحدث أكثر من مرة عن احتمال إجراء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية ومناشدته لبنان من دون أن يأتي على ذكر سوريا.وقال مصدر في وزارة الخارجية الإسرائيلية، لـ «يونايتد برس انترناشيونال» أمس، إن «التفاوض مع سوريا ليس مطروحاً الآن على جدول الحكومة الإسرائيلية»، مضيفاً أنه حتى إذا كان ذلك مطروحاً وأرادت إسرائيل بدء اتصالات مع دمشق، فإن «الولايات المتحدة وفرنسا تعارضان ذلك في الوقت الراهن»، وخاصة لـ «عدم إعطاء سوريا فرصة لفك عزلتها».
وأقرّ المصدر بأنه كان هناك «تفكير في إسرائيل» للعرض على سوريا، مع بداية الحرب على لبنان، أن تؤدي «دوراً ايجابياً» في مقابل العودة إلى مسار سياسي. وأضاف: «في هذه الأثناء، لم يرسل السوريون مؤشرات في هذا الاتجاه، بل دعموا حزب الله، ولذلك أُسقطت فكرة فتح مسار سياسي مع سوريا من جدول الحكومة».
وقلّل المصدر أهمية تصريحات أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر باتجاه تأييد فتح مسار سياسي بين إسرائيل وسوريا بعد انتهاء العدوان على لبنان. وقال إن «الأمر الواضح بالنسبة إلينا الآن هو أن سوريا لا تعتزم إجراء مفاوضات مع إسرائيل ولا تبحث عن إجراء مثل هذه المفاوضات».
إلا أنه رأى أن الحديث عن أن «سوريا ترغب بتجديد المفاوضات مع إسرائيل نابع من كون الرئيس السوري بشار الأسد يرزح تحت ضغوط في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري».
ونفى المصدر بشكل قاطع ما أفادت به صحيفة «هآرتس» قبل أسابيع عن أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني قد عينت «محرك مشاريع» لإعداد ملف عن سوريا تمهيداً لمفاوضات محتملة. وأشار إلى أن الموظف في وزارة الخارجية الذي قيل إن ليفني عينته لإعداد هذا الملف «هو يعقوب ديان وأصبح الآن يعمل مستشاراً سياسياً لرئيسة الكنيست داليا ايتسيك».
وأوضح المصدر أن هناك أسباباً عديدة لقيام الحكومة الإسرائيلية بإسقاط «احتمال التفاوض» مع سوريا، و «بعضها يتعلق بالوضع الداخلي في إسرائيل وبعضها خارجي».
ولفت إلى أن أول هذه الأسباب هو حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية «ضعيفة»، خصوصاً بعد حرب لبنان والانتقادات عن إخفاقها في إدارتها، «ولن تكون قادرة على الدخول في عملية سياسية كبيرة مثل مفاوضات مع سوريا، وأن هذه الحكومة تفضل الآن الاهتمام بقضايا داخلية نجمت عن الحرب».
وقال المصدر في وزارة الخارجية الإسرائيلية إنه حتى إذا أرادت إسرائيل «نظرياً» التوجه إلى مفاوضات مع سوريا، فإن الثمن الذي عليها دفعه مقابل التوصل إلى اتفاق سلام معها معروف وهو الانسحاب من هضبة الجولان، «لكن لا يوجد تأييد واسع في إسرائيل لتنفيذ خطوة كهذه».
وأضاف المصدر أن الرئيس السوري بشار الأسد يدعم بشكل كامل «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) وحزب الله، «وهذا الدعم يضعه في خانة محور الشر إضافة إلى التحقيق الدولي في مقتل الحريري. وكل هذا جعل الأسد معزولاً دولياً، فلماذا علينا إعطاؤه حبل النجاة الآن؟».
وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا تعارضان خطوة كهذه في الوقت الراهن، وقال إن «إسرائيل لن تتلقى دعماً دولياً لخطوة باتجاه سوريا، وسيعمل الرئيس الأميركي جورج بوش والرئيس الفرنسي جاك شيراك على منع إسرائيل من التفاوض، وحتى من إجراء اتصالات مع سوريا والأمر بالنسبة لشيراك أصبح مسألة شخصية وموقفاً شخصياً من سوريا والأسد».
وتطرق المصدر إلى تصريحات الأسد المتعلقة بتحرير الجولان من خلال مقاومة شعبية على غرار حزب الله، مشيراً إلى أن الدولة العبرية «تأخذ الأمر على محمل الجد على الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة على ذلك بعد».
وقال إن ثمة إشارات ميدانية «مقلقة» لوجود محاولات لتنظيم مقاومة كهذه، «لكننا لا نفعل شيئاً في هذه الأثناء، باستثناء اليقظة واتصالات مع دول أخرى، لأن الوضع ليس واضحاً تماماً».
(يو بي آي)