strong>فوضى في «غرفة الحرب» كادت تؤدي إلى «رفض أوامر» محاصرة «رمز المقاومة» حيفا ــ فراس خطيب

نقاشات الإخفاق في لبنان، لا تزال تسيطر على الجيش الإسرائيلي. ويكشف تحقيق مطوّل أعدّته القناة الإسرائيلية العاشرة أنّ فوضى عارمة و«خطيرة» سادت أجواء «غرفة الحرب» أثناء الحملة البرية لمحاصرة بنت جبيل والسيطرة عليها.
كان على الضباط في حينه أن يقرّروا، إما «تنفيذ الأوامر وإرسال جنودهم ليُقتلوا وهم غير جاهزين؟» وإما «رفض الأوامر وعدم تعريض الجنود للخطر».
بدأت القضية ليل الأحد بعد الأسبوع الثالث من بدء العدوان على لبنان. اتصل القائد الأعلى للألوية في المنطقة الشمالية غال هيرش بقائد اللواء أمنون ايشيل وأمره بتنفيذ الخطة لحصار بنت جبيل، التي يعدّها الجيش الإسرائيلي «عاصمة حزب الله»، في الساعة الثامنة مساء يوم الإثنين، عن طريق 4 كتائب، منها كتيبة احتياط واحدة.
كان على إيشيل تجهيز اللواء الذي يقوده بالشكل المطلوب لمعركة «ليست سهلة».
وقبل 24 ساعة من بدء الحملة، اجتمع ايشيل بقادة كتائب الجيش وأخبرهم عن المهمة. ويشير ايشيل، في التقرير، إلى أنّ المشكلة بدأت عندما فهم بنفسه «صعوبة وعدم جهوزية القوات لتنفيذ هذه العملية». وبدا موعد بداية الحملة المحدد الساعة الثامنة من مساء الاثنين «مستحيلاً».
فهم ايشيل، في ساعات بعد منتصف ليل الأحد، بأنه لا يستطيع تنفيذ المهمة الملقاة على عاتقه. فحتى لو أتت كتيبة الاحتياط من الجنوب، فإنها لن تكون جاهزة لـ«معركة فورية في بنت جبيل». وقال ايشيل لمقرّبيه، سأقول لهيرش صباحاً إنّ «سؤال الجهوزية ملحّ في هذا الصدد، لا يمكن لنا أن نبعث بمقاتلين ليُقتلوا في بنت جبيل».
في صبيحة اليوم المحدد لدخول بنت جبيل، تبيّن أيضاً أن قائد كتيبة الاحتياط القادمة من الجنوب لا يوافق على إدخالها إلى لبنان. واتصل بقادة الجيش وأبلغهم أن «المقاتلين في الكتيبة غير جاهزين، تنقصهم الكثير من الأدوات. علينا أن نكون جاهزين… نحن في حرب حقيقية». وأضاف أن «القضية لا تقتصر على عدم إتمامهم المهمة، القضية هي أني سأشارك في الكثير من الجنازات من بعدها».
في اليوم التالي، قال قائد الاحتياط لإيشيل «عليك أن تفهمني، في هذه الشروط لن تكون الكتيبة جاهزة لدخول بنت جبيل». فهم ايشيل أنّ المهمة الملقاة على عاتقه لن تتم في الساعة الثامنة ليلاً وستتأخر حتى منتصف الليل والكتائب ستصل إلى هدفها مع إطلالة النهار، وهذا خطير. عندها، سافر ايشيل إلى مقر قيادة الألوية كي يصادقوا له على تأجيل الحملة، إلا أن هيرش رفض.
وفي مساعي ايشيل لإقناع قادة الكتائب في اللواء، الذين تحت سلطته، بالدخول إلى هذه المعركة، قال له أحدهم «لن أكون شريكاً في هذه المغامرة… لن أدخل مع قوة غير جاهزة».
ازدادت الأمور تعقيداً واشتد النقاش ولا يزال قائد الألوية الأعلى مصمماً على الدخول، ولكن ايشيل وقع في مشكلة اخرى لأن الكتيبة الآتية من الجنوب لن تجهز في الوقت المحدد حتى لو قرر الدخول.
في ذلك الوقت، فهم هيرش أن القضية لن تتم كما أرادها فاقترح خطة ثانية «اخرج كتيبة قتالية من مارون الراس، في المقابل سندخل كتيبة الاحتياط المتأخرة مكانها بعد وصولها فوراً».
وعقّب ايشيل في التقرير أن «اقتراح هيرش زاد الخطة تعقيداً، فالكتيبة المتواجدة في مارون الراس كانت في مهمة. كان علينا إخراجها من هناك وتجهيزها للقتال ومن بعدها إدخالها إلى لبنان ثانية لعملية معقّدة للغاية».
وفي الساعة الثامنة مساءً، لم يتحرك أحد من الجيش باتجاه لبنان. وفي ذلك الوقت، خرجت القوة من مارون الراس بخسائر، وكان عليها الدخول الى بنت جبيل فوراً. وقال قائد الوحدة الآتية من مارون الراس لإيشيل «لا مشكلة عندي، سأذهب إلى هذه المهمة (بنت جبيل) ولكن عليك أن تفهم، نحن لسنا جاهزين».
ويقول ايشيل، في التحقيق، «كان عليّ كسر الهرمية الموجودة في الجيش الإسرائيلي من أجل أن أحدد موقفي من أنّ عملية كهذه لا تستأهل ثمنها أبداً. كان عليّ أن أثبت بأنه لن يسقط شيء في إسرائيل إذا لم ننفذ هذه المهمة».
تطورت الأمور، و بدأ الجيش يستعد لدخول لبنان. كان ايشيل وقادة الكتائب مقتنعين بأن «الحرب لا تدار بهذا الشكل». والتقطت إحدى عدسات القناة صورة لإيشيل وزميل له يتحدثان قبل الدخول إلى لبنان بوقت قصير. كان هيرش، قائدهما، موضوع المحادثة، وفي ما يلي نص المحادثة:
ايشيل: حاولت قول الحقيقة.
الثاني: هذه فوضى… لقد فقد هذا الإنسان (هيرش) السيطرة.
ايشيل: لم يفقد السيطرة، هو لا يفهم أين هو موجود. لا يعرف ماذا يجري على ساحة القتال. يمشي بعكس كل قوانين القتال.
الساعة تقترب من منتصف الليل، والكتائب موجودة على الحدود تستعد للدخول. دخول من دون جهوزية تذكر. وقبل الدخول بدقائق، اتّصل هيرش محاسباً نفسه. وقال لإيشيل «اسمعني، ماذا يمكن فعله. ماذا تقترح؟؟». فاقترح ايشيل عملية محدودة.
وبالفعل، قام الجيش بإتمامها وكانت النتيجة خسائر كبيرة ومعارك طاحنة في بنت جبيل قتل فيها عدد كبير من جنود الاحتلال.
ولا تزال بنت جبيل «رمز المقاومة» في عيون الإسرائيليين منذ تلك المعركة. ويفيد مراقبون لو أنّ القوات الكبيرة دخلت لكانت الخسائر أكبر.
وأشارت القناة العاشرة، في ختام التقرير، إلى أن هذه القرارات «مثّلت وضعية عانى منها الجيش طوال الحرب. ولا يزال هيرش قائداً للألوية وأمنون ايشيل قائداً للواء. الإثنان لم ينهيا الحرب حتى الآن».