محمد بدير
اجترحت إسرائيل بدعة جديدة تبرر بها هزيمتها أمام المقاومة في لبنان؛ فلم يعد قصور الجيش واستخباراته وتخبط القيادة السياسية وحدهما سبب هذه الهزيمة، بل القدرات الجبارة لحزب الله التي تمنحه، بحسب أحد الوزارء الإسرائيليين، بجدارة لقب "أحد الجيوش الطليعية في العالم"، فيما تصنف قوته الصاروخية في "المرتبة الحادية عشرة عالمياً".
وتزامنت هذه التصريحات مع كشف جديد نشرته "هآرتس" يوضح أن عملية "الوعد الصادق" كانت الخامسة في سلسلة محاولات تكررت على مدى الأعوام الماضية، منها ثلاث خلال أقل من عام.
ورأى وزير السياحة الإسرائيلي، يتسحاك هرتسوغ، خلال كلمة ألقاها أمس في مؤتمر لـ"مجلس السلام والأمن"، أن "القوة الصاروخية الموجودة بحوزة حزب الله تأتي في المرتبة الحادية عشرة في العالم". أضاف إن "جيش حزب الله يعتبر من الجيوش الطليعية في العالم، وهو يملك منظومة مراقبة واستخبارات وصواريخ وخنادق متطورة. هذا جيش حقيقي كان منتشراً في تشكيلات تتمركز في 80 محمية طبيعية، وكل تشكيلة قادرة على العمل بشكل مستقل عن الأخرى، ولديها عتاد متوافر في ملاجئها، لذلك ليس من السهل القول إننا لم نعرف أين كان كل صاروخ". إلا أن ضخامة قدرات حزب الله، التي عرضها هرتسوغ، لم تعفِ الاستخبارات الإسرائيلية في رأيه من مسؤولية التقصير، فانتقدها متساءلاً "لست أدري أين كانت الاستخبارات. إنهم يدعون أنهم يعرفون كل شي بشكل عام، إلى أن اكتشفنا مدناً محصنة عند حافة الحدود (مع لبنان)".
وكشف وزير السياحة الإسرائيلي عن حالة التخبط التي سادت أجواء صناع القرار من الساسة والعسكر، فأشار إلى أن جميع الوزراء في الحكومة أيدوا قرار رئيس الأركان دان حالوتس تنفيذ عمليات جوية، لكن عندما سأل شمعون بيريز لأكثر من مرة "ماذا بعد ذلك"، كان رد حالوتس أنه لا يستطيع التوقع. كما لفت إلى أن الوزراء كانوا متفقين على العملية في بيروت، إلى أن وقعت مجزرة قانا، ما أدى إلى تعقيد الأمور.
ورفض هرتسوغ التسليم بمقولة الفشل الشامل في العدوان، معتبراً أن الوضع السياسي في لبنان والقرار 1701 من ضمن الإنجازات الإسرائيلية. وقال إن إسرائيل تظهر بمظهر الضعيف في خطواتها أحادية الجانب، مشيراً إلى أن نظرية "بيت العنكبوت"، التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب النصر في بنت جبيل عقب التحرير، "لم تأت من فراغ".
وتطرق هرتسوغ إلى الأداء الإعلامي للوزراء والقادة العسكريين الإسرائيليين خلال الحرب، متهماً إياهم بـ"الثرثرة" التي تتسبب بأضرار فادحة لإسرائيل على مستوى الرأي العام العالمي، وقال "إن معظم الأضرار حصلت بسبب السياسيين المتحاذقين الذين طالبوا بـتسطيح القرى، ورغم أن ذلك لم ينفذ، إلا أنه تسبب بأضرار بالغة... عندما قالوا إنهم سيعيدون لبنان 20 عاماً إلى الوراء، لم يدركوا مدى الخطورة التي تسببوا بها".
كما انتقد هرتسوغ أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية أثناء الحرب، مشيراً إلى "إلغاء عمليات حساسة جداً بسبب التقارير التلفزيونية وتعليقات المحللين". وتابع "قلت للمستشار القضائي إنه يجب تفعيل الرقابة، إلا أنه قال إن الرقابة قد انهارت. في عصر الـ SMS أصبحت أجواء العمل أكثر تعقيداً. كنت قد طلبت من رئيس هيئة أركان الجيش أن يخرج الصحافيين من مقرات القيادة، فمن غير المعقول أن نشاهد في القناة العاشرة صحافيين يطلبون من الضابط وضع الميكروفون من أجل تصوير شريط"!
من جهة أخرى، كشفت صحيفة "هآرتس"، أمس، حلقة أخرى من سلسلة الإخفاقات التي وقع فيها الجيش الإسرائيلي على مستوى الأداء الميداني والاستخباري. وقالت الصحيفة، في خبرها الرئيس إن عملية الأسر التي نفذها حزب الله في الثاني عشر من تموز الماضي كانت المحاولة الخامسة من نوعها، والثالثة خلال أقل من عام. وأوضحت "هآرتس" أن المحاولة السابقة حصلت في شهر أيار من العام الجاري وفي المكان نفسه الذي نُفذت فيه عملية "الوعد الصادق"، بالقرب من مستوطنة زرعيت، إلا أن المقاومة تراجعت عن تنفيذها في اللحظة الأخيرة، بحسب الصحيفة، في أعقاب ورود معلومات استخبارية للجيش الإسرائيلي دفعته إلى تركيز قوات كبيرة بشكل ملحوظ وباد للعيان هدفها إيصال رسالة استعداد وتأهب للمقاومة. وفي موازاة ذلك، وجهت إسرائيل رسالة سياسية إلى كل من الولايات المتحدة وفرنسا أبلغتهما فيها بأنها سترد بعملية عسكرية قاسية إذا تكررت المحاولة.
إلا أن التحذير الإسرائيلي لم يصل، بحسب "هآرتس"، إلى حزب الله، أو أن "المنظمة استهزأت به... وهي لم تتنازل عن العملية، بل قامت بتأجيل موعد تنفيذها، وفي المكان نفسه بالضبط، ربما لأنها ظنت أن ذلك سيكون مفاجئاً أو ربما لأن الجيش قد خفض من مستوى التأهب. وكان حزب الله يعرف جيداً أن الجيش لا يستطيع مراقبة هذه المنطقة بشكل كامل. كما أن العملية نفسها كانت مفاجئة، حيث لم يرِد أي تحذير استخباري بشأنها".
أما المحاولة التي سبقت هذه، فقد حصلت في 21 تشرين الثاني من العام الماضي في قرية الغجر. ووفقاً للصحيفة، فقد نجحت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الوقوف على نيات حزب الله مسبقاً، إلا أن الاستخبارات التكتيكية التابعة لقيادة المنطقة الشمالية فشلت في اكتشاف قيام المقاومة بحشد قوة تابعة لها في مخبأ محصن على الجانب اللبناني من القرية. والذي "أنقذ الموقف كان قائد السرية، الذي قرر تغيير تموضع قوته، فنجح أحد الجنود، نتيجة لذلك، في استهداف المهاجمين وقتل أربعة منهم".
وذكرت "هآرتس" أن "حزب الله أجرى في هذا الهجوم تجارب على أسلحة مختلفة مضادة للدروع أطلقها باتجاه دبابات وآليات أخرى تابعة للجيش الإسرائيلي، كما قام بإطلاق نحو 300 صاروخ من أنواع مختلفة، من بينها صواريخ حديثة من إنتاج روسي حصل عليها من سوريا". وذكرت الصحيفة أن امتناع الجيش عن رد عنيف في حينه سببه التخوف من إشعال المنطقة، "وهذا ما يريده حزب الله".
ويكتسب ما كشفت عنه "هآرتس" أهمية كبيرة بالنسبة إلى لجنة فينوغراد، التي تحقق في إخفاق العدوان على لبنان. وبحسب الصحيفة، يمكن الوقوف من خلاله على الخطط المتكررة لحزب الله، إضافة إلى النشاطات العملانية للجيش الإسرائيلي ومستوى الاستخبارات التكتيكية في الفترة التي سبقت عملية الخطف.


إيلات «مستهدفة»
تتراكم المؤشرات والانذارات لدى أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية حول نيّات موجودة لدى «منظمات إرهابية عالمية» لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل. وفي هذا الاطار، أفاد مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى، بالاستناد الى تجارب سابقة، أنه يجب على الأجهزة الأمنية أن تكون مستعدة لمنع حدوث عملية يقف وراءها «الجهاد العالمي» في إيلات.
وأوضح أن «إيلات مستهدفة» لكون محيطها تعرض للعديد من العمليات في السنوات السابقة، مشيراً إلى ان من المحتمل ان تتعرض لعملية من الجو أو البحر أو البر كما يمكن أن تأتي من الأردن أو مصر. وشدد المصدر نفسه على ضرورة الاستعداد وتوخّي الحذر «لمنع وقوع عملية استراتيجية».
وأوصى المصدر العسكري بإغلاق الشارع الغربي على الحدود مع مصر أمام حركة المدنيين، نظراً لعدم استكمال بناء الجدار الإلكتروني في المنطقة، وهو ما قد يسهِّل «التسلل» من هذه المنطقة.
ويلاحظ، وفقاً لتقارير إسرائيلية، أنه في أعقاب هذه التهديدات، قرر الجيش الإسرائيلي إقامة قاعدة عسكرية جديدة في النقب، لتعزيز قوات الجيش وحرس الحدود العاملة في المنطقة. وصدر هذا القرار في أعقاب تأجيل إقامة جدار إلكتروني بطول 12 كيلومتراً على الحدود الغربية.
(الأخبار)