زئيف شيف ـــ هآرتسرغم كل الإنذارات والتهديدات القوية التي أُطلقت من البيت الأبيض تجاه ايران، التي تحاول إنتاج سلاح نووي، فإن العالم أخذ يستبشر بأن الرئيس السابق لإيران، محمد خاتمي، قد حصل على "تأشيرة" دخول كسائح الى الولايات المتحدة. صحيح أنه ليس مدعواً لاجتماعات رسمية في واشنطن، لكن من المعروف أن الرئيس الأميركي بوش، شخصياً، هو الذي يعطي مثل هذه التأشيرات.
وفي أعقاب ذلك، يحصل الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، على تأشيرة للذهاب الى نيويورك ودخول الأمم المتحدة وإلقاء خطاب سياسي أمام أعضاء مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقبل ذلك بقليل، زار إيران رئيس وزراء العراق، نور المالكي وتحادث مع المسؤولين الأميركيين، ومن الصعب الاعتقاد بأن زيارة المسؤول العراقي ولقاءاته مع المسؤولين الأميركيين قد تمت من دون التنسيق مع واشنطن، والبيت الأبيض تحديداً.
وجه بوش أيضاً دعوة إلى أحد الصحافيين المعروفين من صحيفة "واشنطن بوست"، ديفيد ايغنشيوس، لكي يجري معه مقابلة صحافية في البيت الأبيض. وقد جرى اللقاء الصحافي الذي انحصر فقط في موضوع واحد ووحيد: إيران. وتظهر، من خلال ذلك اللقاء، وجهة جديدة وتوجه جديد تماماً في موقف الرئيس الأميركي من ذلك الملف. هو لم يعد يهدد إيران بالعمليات العسكرية، بل يكتفي بالقول إن هناك حالة من القلق العميق بسبب هذا الموضوع...
من الأفضل أن يقرأ الشخص العبارات ونص التصريحات التي أدلى بها بوش في هذا المضمار، كي يفهم الخاصية الحقيقية لهذه المقابلة وأهميتها. "إن ايران تعدّ واحدة من الدول الأكثر أهمية في الشرق الأوسط" و"هي عبارة عن دولة عظمى في المنطقة"، كما أننا "نقدر ونحترم تاريخكم"، موجهاً الحديث الى الإيرانيين، "وثقافتكم، وأنا أتفهم رغبتكم في تطوير برنامج نووي، وأنا أرغب بجدية في القيام بكل شيء من أجل إيجاد حل لهذه القضية". ويضيف بوش "لا حاجة لي، ولا رغبة، بنزاع معكم ولا بد من العمل على تطوير برنامج خاص لتبادل المعلومات والثقافة مع إيران".
لا عجب هنا في أن تكون استنتاجات ايغنشيوس بأن الرئيس الأميركي يريد جاداً الدخول في إجراءات جدية لإيجاد حل ديبلوماسي للأزمة مع إيران حول موضوع برنامجها النووي. وفي الوقت نفسه، فإن أخباراً أخذت تنشر وتتحدث عن وجود "فقرات" وحلقات خلل في الموقف التحالفي الثلاثي الذي يُعرف بـ "المثلث الحديدي" الذي يقوده بوش ونائبه تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد. فهذا الأخير بدأ يشكك في أن خيار اللجوء الى القوة العسكرية سيكون ناجحاً ضد ايران، حتى اذا واصلت هذه الدولة عملياتها الهادفة الى تطوير القوة النووية، بل وإنتاج سلاح نووي.
كل هذه الأنباء والتحليلات تقود فقط الى الاستنتاج بأن كل الظواهر التي تميز الموقف الأميركي من هذا الموضوع، هي التي تقود الى ضرورة انتهاج سياسة الحديث والتفاوض مع ايران. فهل يمكن الاستنتاج بأن واشنطن تنازلت عن مطالبتها (الحادة) ايران بالتوقف عن تطوير برنامجها النووي، وتنازلت عن محاولات منع ايران من (إمكان) إنتاج سلاحها النووي؟ وهل تنازلت واشنطن أيضاً عن مطلبها بأن تتوقف ايران عن دعم المنظمات الإرهابية؟ إن الإجابة عن ذلك سلبية حتى الآن. إن واشنطن تقول فعلياً إن ايران تستطيع أن تتطور بمساعدة الولايات المتحدة، ودعمها، الى أن تصبح دولة عظمى في منطقة الشرق الأوسط، وذات قدرات اقتصادية عالية اذا كانت مستعدة للتنازل عن السلاح النووي. إلا أن طهران من جانبها غير مستقرة، ولا ضامنة لذلك، بل إنها تبدي ترددا في هذا الشأن.
ستكون هذه التطورات سبباً في شغل وإشغال العديد من الدول (كبيرة وصغيرة) في العالم. فالسعودية ومصر، على سبيل المثال، ستشعران بأن ايران الشيعية تحظى بمكانة قيادية في المنطقة كنتيجة للتعاون بينها وبين واشنطن. ومثل هذه المنافسة قائمة أيضاً حتى قبل أن تكون ايران قد امتلكت السلاح النووي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كل هذه التطورات لا بد، بل يجب، أن تقلق اسرائيل وتشعرها بضرورة الاهتمام بما يجري وأن تتابع التطورات الجديدة بهذا الخصوص. فاذا تطورت وتعمقت وازدادت هذه التطورات الجديدة بين الولايات المتحدة وايران، فإن اسرائيل لن تُدعى أبداً إلى المشاركة في مثل هذه المحادثات...
وبناءً على ذلك، يجب على اسرائيل أن تسبق، وأن تتقدم بمبادرة من عندها للتحدث والاتفاق مع واشنطن على هذا الموضوع، وأن تحاول التنسيق معها. ويجب عليها أن تفكر، بل أن تقتنع بأن الموضوع الاسرائيلي سيُطرح في محادثات سرية خاصة محتملة بين واشنطن وطهران.