strong>أخطأ إيهود أولمرت مرة أخرى خطأ كبيراً. ففي اليوم الذي جلس فيه يتباهى في كل وسائل الإعلام الممكنة، بالنصر الإسرائيلي المزعوم في حرب لبنان الثانية، وقف (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله أمام أعين الجميع غير خائف، أمام مئات الآلاف من مؤيديه المتحمسين وأوضح لأولمرت و(وزير الدفاع عمير) بيرتس و(وزيرة الخارجية تسيبي) ليفني و(رئيس الأركان دان) حالوتس، عملياً وفعلياً، من هو المنتصر الحقيقي
لقد مضت أسابيع معدودة فقط على تباهي أولمرت، كبير المغرورين من بين رؤساء حكومات إسرائيل والذي لم يضاهه أحد في الغرور، في مؤتمر صغير للموظفين داخل غرفة مغلقة ومحمية في الجليل وقال، إنه يتجول بحرية بينما «حسن نصر الله سيبقى في الملجأ إلى الأبد». انظروا إلى أي حد رئيس وزرائكم منقطع عن الواقع.
وبعد أسابيع، وقف مئات الآلاف، وربما مليون إنسان في ضاحية بيروت، في مهرجان النصر الكبير، الذي نقل عبر التلفزيون إلى مليار مشاهد عربي في بث مباشر ولسائر العالم في كل نشرات الأخبار وعلى صفحات كل الصحف.
وفي الوقت نفسه تماماً، عُرض أمام أولمرت استطلاع الرأي الذي أجرته الدكتورة مينا تسيمح، الذي يقول فيه 7 في المئة فقط من سكان إسرائيل إنه ملائم ليكون رئيس حكومة و1 في المئة فقط قالوا إن عمير بيرتس ملائم.
وفي المقابل، حُمل حسن نصر الله على أمواج التأييد غير المسبوقة في العالم العربي والاسلامي، وعن حق. هذا الأمر بحد ذاته، أي ظهوره على هذه المنصة في مثل هذه الظروف، يمثّل الفشل الذريع الأهم بالنسبة لأولمرت ــ بيرتس ــ حالوتس، ذلك أن ثلاثتهم تعهدوا في يوم اندلاع الحرب أنه سيختفي، وفي الوقت الحالي العكس تقريباً هو الصحيح.
نصر الله سخر، وبحق، من الثلاثي الإسرائيلي الفاشل: ليس 12 ألف كاتيوشا لديه الآن، بل 20 ألف كاتيوشا في لبنان. وكلها جاهزة للاطلاق على إسرائيل في اليوم الذي يقرر فيه ذلك.
ولن يتمكن أحد من تجريد حزب الله من سلاحه، وفي اليوم الذي يقرر نصر الله، ستطير كل وحدات اليونيفيل من لبنان. هم هناك برضاه ومن منطلق مصلحته. وفي اليوم الذي يقرر فيه خلاف ذلك، سيطيرون بالدم والنار. إن ادعاءات أولمرت وبيرتس عن تغيير أساسي في الخريطة، هي ادعاءات كاذبة وباطلة وهم يعرفون ذلك. جيش لبنان واليونيفيل يمكنهم الانتشار في جنوب لبنان لأن نصر الله قرر أنه في الوقت الحالي لا مانع لديه في أن يسمح بذلك.
لقد أعلنت حكومة أولمرت أنها خارجة إلى الحرب لإعادة المخطوفين. لكن امام عيون المليارات في العالم، عاد نصر الله وأوضح ما قاله في يوم الاختطاف: هو مستعد للمفاوضات، ولا شيء غير المفاوضات التي تشمل تحرير الأسرى الذين يريدهم، سيؤدي إلى حل القضية. لقد فشل أولمرت ــ بيرتس ــ حالوتس في هذا الأمر أيضاً فشلاً مدوياً.
الأمر الأكثر إثارة للحزن الآن هو رؤية عائلات الجنود تتجول في العالم وتقابل قادته بتضرع ممزوج بغضب محبوس. هل هؤلاء سينفعوننا فعلاً؟ هذا التضرع يجب توجيهه إلى نصر الله وكل تضرع إلى غيره هراء وهباء..
وعندما ننظر بغضب محبوس إلى المهرجان المذهل في بيروت، لا يمكننا إلا أن نوافق بقلب متألم على أن نصر الله على حق. فهو ليس مغروراً، ولا ثرثاراً. لم يتعهد أن يتذكر بيرتس اسمه، لكن بيرتس يعرف أن اسم نصر الله قضى على مستقبله المهني وأن أحلامه في أن يكون رئيس الحكومة المغربي الأول في إسرائيل، دُفنت إلى الأبد.
مجموعة التصريحات الغبية لأولمرت، ستدوي مجدّداً في تاريخ دولة إسرائيل إلى الأبد، وهي تصريحات كاذبة لا غطاء لها. لقد انقلب العالم، فذات مرة كان العرب هم من يختلقون القصص، الآن قادتنا يحلمون أحلام اليقظة، وبات من الواجب درس بيانات المتحدث باسم الجيش والمتحدثين باسم الحكومة، بدقة قبل نشرها. وبقدر ما يبدو هذا الأمر مثيراً للغضب، يجب أن نعترف: هذا الرجل (نصر الله) صادق.
ويسخر نصر الله أيضا من قوات اليونيفيل. فحزبه حصل، وسيحصل، على كل السلاح الذي يريده ولن يجد نفعا أي حصار أو إغلاق للحدود. فضلا عن ذلك وجه زعيم حزب الله تحذيرا إلى قوات اليونيفيل. من المؤلم بشكل خاص سماع كيف يتحدث نصرالله عن حالوتس وجنوده، كما أن ثمة في كلامه نوع من التآكل الجوهري وبشكل مهين، حاسم وخطير جدا، في كل ما يتعلق بقدرة الردع الإسرائيلية.
لا شك أيضاً في أن الخطاب نجح في إثارة قلوب المسلمين المؤمنين. فالله هو الذي جلب هذا النصر. هو لا سواه. أما على الحلبة اللبنانية الداخلية، فدعا نصر الله معارضيه إلى عدم الانهماك الآن في تجريد حزبه من السلاح، لأن هذا الوقت سيأتي، لكن ليس الآن، حيث يتيعن الاستعداد للدفاع عن النفس في وجه إسرائيل. أما بالنسبة إلى المستقبل، فيقول نصر الله إن انتصاره سيؤدي إلى تفاقم النضال واشتداده في فلسطين.
ولم ينس زعيم حزب الله أيضاً الغمز من قناة التهديد الإسرائيلي المبطن بمحاولة اغتياله إذا حضر الاحتفال، وهو حذّر إسرائيل من مغبة الاستمرار في خرق وقف النار التي لا تتوقف من جهتها. وقد أكدت الأمم المتحدة قبل أكثر من اسبوعين، أن إسرائيل خرقت وقف النار أكثر من 70 مرة في مقابل أربع خروق للعدو.
كما هو معروف، شارك مئات الآلاف في المهرجان الضخم، من بينهم ضيوف من كل الدول العربية ومسؤولون رفيعو المستوى في الحكم اللبناني، أما رئيس الحكومة فؤاد السنيوره، فلم يُدع إلى المهرجان.
أعلام ضخمة، مهرجان مثير للانطباع، إنتاج مثير، وصورة تُظهر البارجة التي ضُربت والمروحية التي اُسقطت، كل هذا لكي يرى العالم كله من المنتصر ومن المهزوم.
أما أولمرت، فجلس في البيت «يأكل قلبه» ندماً وأسفاً، مثلنا جميعاً.
(موقع «أخبار إسرائيل»)