مهدي السيديبدو أن تداعيات فشل العدوان الإسرائيلي الأخير لم تعد مقتصرة على الحلبتين الداخليتين في لبنان وإسرائيل، بل تركت بصماتها على الحلبة الدولية عموماً، والعربية خصوصاً، حيث دبّت الروح دفعة واحدة في أروقة الديبلوماسية العربية في محاولة لإعادة إحياء عملية السلام

ركزت صحيفة «هآرتس» أمس على حركة الاتصالات الناشطة لتحريك العملية السياسية، وأدرجت ضمن هذا السياق المعلومات التي ترددت في إسرائيل عن تقارب سعودي ــ إسرائيلي، ووضعته ضمن خانة القلق العربي ــ الإسرائيلي المشترك من تعزز مكانة إيران، ومن تزايد التأييد الشعبي العربي لحزب الله على خلفية الانتصار الذي حققه في وجه العدوان الإسرائيلي.
ودفعت هذه التطورات، بحسب «هآرتس»، الرئيس الأميركي جورج بوش إلى التفكير في زيارة المنطقة، أو عقد مؤتمر دولي لاستيعاب تداعيات التطورات الأخيرة واحتوائها، على أن تكون زيارة الشرق الأوسط بعد انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني المقبل، لمناقشة الدفع بالعملية السياسية مع قادة المنطقة. كما نقلت «هآرتس» عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن واشنطن تدرس احتمالاً آخر، وهو دعوة قادة من المنطقة إلى اجتماع قمة مع بوش.
وقالت الصحيفة إنه بموجب التقارير التي وصلت إلى إسرائيل، فإن بوش جدي في نيته الدفع بمبادرة جديدة في المنطقة، في أعقاب العدوان على لبنان، في ظل ما سمّته الصحيفة «مخاوف دول عربية معتدلة من تعاظم قوة إيران»، ولأن «الرأي العام العربي متأثر بخطاب الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، المناوئ لإسرائيل، ومن محاولة إيران وحزب الله تسنّم مكانة قيادية في العالم الإسلامي».
وتحدثت «هآرتس» عن رسالة وجهتها «حكومات الدول العربية المعتدلة» إلى الأميركيين، تشير إلى أن حل الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني يبدو إحدى الطرق لتهدئة الغليان في الدول العربية.
بدوره، قال المحلل السياسي في «هآرتس»، ألوف بن، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت ليس هو الوحيد الذي يبحث عن مخرج سياسي من الضعف الحزبي. فبحسب بن « ثمة شركاء لأولمرت: الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي تورط في العراق ويجد صعوبة في مواجهة إيران، ورئيس حكومة بريطانيا طوني بلير، الذي يبحث عن ملجأ له من أزماته الحزبية، وزعماء مصر والاردن والسعودية، الذين يشعرون بالقلق جرّاء حماسة الشعوب في بلادهم لإيران وحزب الله، التي ارتفعت خلال الحرب على لبنان، ورئيس السلطة الفلسطينية الذي يستند وضعه الهش إلى التأييد الدولي له وإلى كونه «الشريك» الموافق عليه للتفاوض مع إسرائيل».
ويضيف بن: «كل هذه الجهات معنية بإحياء العملية السياسية بين إسرائيل وبين الفلسطينيين، التي تُعدّ علاجاً سحرياً لتنفيس الضغوط في المنطقة. ذلك أنه من الواضح للجميع كيف سيبدو الحل، تقريباً، لكنهم لا يملكون تصوراً بشأن كيفية الوصول اليه».
وأشار بن إلى أن «أولمرت والأميركيين يتحفظون الآن على مشاركة سوريا في العملية. فرئيس الحكومة يفضل السيطرة على الجولان، كما أن الأميركيين غاضبون من السوريين. وعليه، فإن الاهتمام سيوجه خلال الأسابيع المقبلة إلى القناة الفلسطينية».
في السياق ذاته، رأت «هآرتس»، في افتتاحيتها، أن «الشعبية الجارفة التي حصل عليها حزب الله وزعيمه حسن نصر الله، في اوساط الجماهير العربية في المنطقة في أعقاب المعارك التي دارت أخيراً، وكذلك التهديد النووي المتصاعد من ايران بقيادة رئيسها أحمدي نجاد المتطرف، كانا سبباً في إعادة الحياة الى المبادرة السعودية وقرارات القمة العربية في بيروت. كما أن الخطر الشيعي يدفع باسرائيل، ويضغط عليها وعلى العديد من الانظمة العربية، ويضعها معاً في جانب واحد من الخندق. ففي الحرب، وقفت السعودية على رأس الدول العربية التي شجبت عملية اختطاف الجنديين الاسرائيليين، وكذلك اطلاق الصواريخ على التجمعات السكانية المدنية في اسرائيل».
وتطرق مراسل «هآرتس» في واشنطن، شموئيل روزنر، إلى العلاقة بين إيجاد حل للقضية الفلسطينية وبين الحرب العالمية على الارهاب، كما سماها، انطلاقاً من رؤية الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر إلى حل الصراع العربي ــ الإسرائيلي التي عرضها في أيار 1977 خلال مأدبة عشاء احتفالية على شرف ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز في البيت الأبيض.
وبحسب هذه الرؤية، فإن «السلام في المنطقة، اي السلام بين اسرائيل وجيرانها، يعني إيجاد فرصة لسلام عالمي». وهذا يعني، بحسب روزنر، أن «تفكيك عرى العقدة الاسرائيلية ــ العربية ليس مجرد حاجة حيوية لتهدئة الشرق الاوسط العنيف والمليء بالصراعات، بل هو ينطوي أيضاً على مفتاح لحل مشاكل العالم كله».