مهدي السيد
ليس ثمة شك في أن صنّاع القرار في إسرائيل، ولا سيما رئيس الحكومة إيهود أولمرت، لم يأخذوا في حساباتهم عندما بادروا إلى شن العدوان على لبنان احتمال أن ينتهي وفق ما انتهى اليه. ورغم أنه كان لكل من المستويات الإسرائيلية المشاركة في اتخاذ القرار حساباته وغاياته الخاصة،
إلا أن الجميع كان ينطلق أيضاً من فرضية أن العدوان سينتهي بتوجيه الضربة القاضية إلى حزب الله، الأمر الذي سيسمح باستثمارها بما يخدم الأجندة الشخصية والسياسية للممسكين بالقرار في تل أبيب.وإذا كان الحديث عن فشل الحرب يطول، وإذا كانت قائمة الإخفاقات التي عدّدتها الأوساط الإسرائيلية الإعلامية والأمنية والسياسية طويلة وكبيرة، إلا أن ثمة إضافة نوعية على هذه القائمة تتمثل في إسقاط احتمال انتهاء العدوان على غير الصورة التي ظهرت، وهو أمر كان من شأن توقّعه أن يوفر على المستوى السياسي الإسرائيلي تحديداً الكثير من وجع الرأس.
يمكن الحديث عن تداعيات كثيرة لاستبعاد هذا الاحتمال، وهي تداعيات جرت قبل الحرب، وخلالها وبعدها؛ على أن أخطرها هي تلك التي ظهرت وتظهر ملامحها بعد العدوان. وهنا يمكن الإشارة إلى مجالين هامين، داخلي وإقليمي ـ دولي. فعلى الصعيد الداخلي، يعدّ سقوط الأجندة السياسية للحكومة الإسرائيلية بشكل عام، ورئيسها وحزبه بشكل خاص ـ خطة الانطواء ـ عن جدول الأعمال، من أخطر التداعيات السياسية على الساحة الإسرائيلية، لأن سقوطها أفقد الحكومة المبرر السياسي والشعبي لوجودها، وبالتالي حوّلها إلى حكومة من دون طريق ولا هدف.
وعلى الصعيد الدولي، قفزت إلى الواجهة الحركة السياسية العربية ـ الأميركية التي انطلقت في تحركها من شعور مشترك بخطر التداعيات التي تركها العدوان على لبنان، وهو خطر يتمثل في خشية الأنظمة العربية المنضوية ضمن المحور الأميركي، من المد الشعبي الذي بات يحظى به حزب الله مع ما يمثله من خيارات، في العالم العربي والإسلامي بشكل عام، وفي تلك الدول بشكل خاص، وهو ما يلحق الضرر حتماً بالمشروع الأميركي في المنطقة كلها. التقت مخاوف دول المحور العربي ـ الأميركي مع المخاوف الإسرائيلية، وعلى خلفية هذه المخاوف، برز جهد مشترك للالتفاف على تداعيات الفشل الإسرائيلي، ليس على الداخل الإسرائيلي فحسب، بل على الساحتين الفلسطينية والعربية أيضاً. ومن هنا جرى الحديث عن ضرورة إعادة إحياء العملية السياسية، وضرورة العودة إلى المبادرة العربية.
في هذا السياق جاء اللقاء الإسرائيلي ـ السعودي، الذي لا يناقش أحد في إسرائيل أصل حصوله، بل يطال الأمر بورصة الأسماء التي شاركت فيه. وتأتي كل هذه التحركات على أساس الافتراض بأن أي عملية استيعاب واحتواء لتداعيات الفشل الإسرائيلي، وأن أي محاولة لحرمان التيار المقاوم في المنطقة من استثمار وتوظيف الانتصار في لبنان، يجب أن يمر من بوابة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، عبر إيجاد صيغة حل مُرضية على الأقل تسمح لدول المحور الأميركي بتسجيل انجاز سياسي ـ ديبلوماسي يعينها على تخطي محنها.
بيد أن المشكلة تكمن كالعادة في رفض الجانب الإسرائيلي تقديم حبل النجاة لهذه الدول وقادتها، على حساب ما يعتبره المصالح الإسرائيلية؛ وكالعادة نرى أن القادة الإسرائيليين لا يستطيعون التخلي عن سلوك العقرب (الذي يلسع نفسه)، وهو ما يفسر موقف أولمرت الأخير إزاء الاحتفاظ بالجولان إلى الأبد.
بموقفه الأخير، أطلق أولمرت رصاصة الرحمة على المسعى العربي، الذي يصب أيضاً في مصلحة إسرائيل، وهو بذلك يكون قد أطلق رصاصة على قدمه من جهة، وحوّل آمال دول المحور إلى مجرد أوهام من جهة ثانية.