مهدي السيد
تتباين مواقف الأوساط الإسرائيلية من الاستجابة لدعوات السلام الصادرة عن الرئيس السوري بشار الأسد، على خلفية الثمن المطلوب والشروط اللازمة، في ظل مؤشرات استخبارية إسرائيلية عن ارتفاع أسهم الخيار العسكري السوري في الجولان
بقيت صفحات الصحف الإسرائيلية أمس ساحة لإطلاق المواقف والتحليلات إزاء فرص التوصل إلى سلام مع سوريا، في ظل بروز تطورين هامين، الأول سياسي، تمثل بطلب رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت من وزرائه عدم إطلاق أية تصريحات في الشأن السوري، والثاني أمني تمثل بحصول تغيير جوهري على التقدير الاستراتيجي للجيش الإسرائيلي في كل ما يتعلق باحتمال اندلاع الحرب مع سوريا. وفي هذا السياق، تطرق الخبير في الشؤون السورية، غاي باخور، إلى المواقف الداعية إلى إعادة هضبة الجولان إلى سوريا، محذراً من أن هذا الأمر لن يعيد الاستقرار إلى المنطقة.
وكتب باخور، في «يديعوت أحرونوت»، أن في إسرائيل من يستغلون كل حدث في الشرق الأوسط لكي يطلبوا بصرامة إعادة هضبة الجولان إلى سوريا. وأضاف أن «هؤلاء يعرضون إعادة هضبة الجولان لكونها الحل في الحالات التي تندلع فيها الانتفاضة، أو الحرب في لبنان، أو في حال عدم استعادة جنودنا المختطفين، وهكذا دواليك. لا يهم مدى تغير الشرق الأوسط، فهضبة الجولان هي جواب كل شيء».
وفي رد انتقادي على افتتاحية «يديعوت أحرونوت» أول من أمس، التي دعت إلى ضرورة إعادة هضبة الجولان قبل الحرب لا بعدها، قال باخور إن «الكاتب يفصل في هذه المقالة أيضاً أعاجيب الخضوع سلفاً لإملاءات سوريا: ستُمنع حرب لا داعي لها، وسنتوصل إلى سلام مع دولة عربية أخرى، وسنفصل سوريا عن إيران، وسنقضي على قيادات حماس والجهاد في دمشق، وغير ذلك».
ويقول باخور إنه «في ظاهر الأمر، توجد هنا نقطة مهمة. هل سيتغير الميزان الإقليمي حقاً، مقابل هضبة الجولان، من النقيض إلى النقيض؟ وهل سوريا كما قيل مرة هي مفتاح النزاع مع الفلسطينيين ومع حزب الله في لبنان؟».
وفي جوابه عن هذه الأسئلة، يقول باخور: «حاولت لسنوات أن أوضح أن الأمور لن تحدث. إعادة الجولان خطرة، لأنه في اللحظة التي سيحصل السوريون عليها، سيُسكنون فيها مليون مواطن سوري، لإحداث ميزان سكاني في وجه إسرائيل. نشر الأسد، هذا الشهر، أمراً يمنح السوريين الذين سيعودون إلى السكن في أرض الجولان، وفي الأساس الدروز، تعويضات. مع افتراض معقول أن سوريا قد تنزلق إلى حرب طائفية، كما حدث في لبنان وفي العراق، فإن الخطر هو أن تنزلق هذه الحرب السورية الداخلية، عن طريق الجولان المأهول، إلى الجليل وإلى إسرائيل أيضاً».
وبحسب باخور، فقد «كان ينقص البرهان القاطع على أن إعادة الجولان لن تغير شيئاً في الميزان الإقليمي. لكن البرهان جاء من الأسد هذا الأسبوع من خلال ما قاله لصحيفة «دير شبيغل» الألمانية: حتى اذا حُل النزاع بين غسرائيل وسوريا على هضبة الجولان، وحتى إذا أُعيدت هضبة الجولان إلى سوريا ــ فلن يتم إحراز استقرار، وقد ينزلق الشرق الاوسط غلى عدم استقرار وإلى فوضى».
وفي تفسيره لكلام الأسد، يرى باخور أن رئيس سوريا «يُبين للإسرائيليين أنهم ــ سواء أعادوا الجولان أو لم يعيدوه ــ فإن حروب الفلسطينيين وحزب الله ستتواصل. إذا كانت الحال كذلك، فلماذا تُعاد هضبة الجولان وتُدخل إسرائيل في أخطار جديدة؟». بدورها، تابعت «يديعوت أحرونوت» التطرق إلى الموضوع السوري في افتتاحياتها، حيث كتب ابتان هابر أن «كل بيت في إسرائيل يعرف ثمن السلام مع دمشق الذي ستطلبه سوريا من غسرائيل، ففي حالة السلام مع سوريا، إن إسرائيل ستعيد كل سنتيمتر من مناطق هضبة الجولان غلى سوريا».
بيد أن هابر يلفت إلى أنه «لا يوجد أي احتمال لأن تبدأ حكومة أولمرت، وفي حالتها الراهنة، بعملية دراماتيكية من هذا النوع. ذلك أنه بعد مرور سنة تقريباً على مأساة تنفيذ الانسحاب من غزة وشهرين على الأحداث الكبيرة في لبنان، فإنه لم يقم، ويبدو أنه لن يقوم في الوقت القريب، رئيس وزراء في إسرائيل، وطبيعي أنه لن تقوم حكومة في إسرائيل يمكنها أن تتوجه إلى مثل هذه الخطوة الخطيرة».
لكن في المقابل، يشير إيتان إلى أن ثمة من سيقول: «تحديداً بسبب حالتها الراهنة، فإن حكومة أولمرت تستطيع القفز على هذه الفرصة السانحة والبدء في الحديث مع هذا الشخص الجالس في دمشق، لأن القائد هو من يعرف ما هو الضروري للشعب، وليس ما يريده الناس». وفي السياق ذاته، رأى الكسندر يعقوبسون «في «هآرتس»، أنه لا يمكن تجاهل إعراب الرئيس السوري عن رغبته في مفاوضات سلام، وهو يقترح حلاً على إسرئيل للخروج من المعضلة السورية. ويتكون هذا الحل من عنصرين: الأول موافقة إسرائيل على إعادة الجولان في مقابل السلام مع سوريا؛ والثاني هو اشتراط بدء المفاوضات بوقف المساعدة السورية «للمحافل الإرهابية» التي تعمل ضد إسرائيل.
وبحسب يعقوبسون، فإن وفاء سوريا بهذا الشرط سيفصلها عن «محور الشر»، وبالتالي يمكن ضمان موافقة الولايات المتحدة على هذا الحل.