جدعون ليفي - «هآرتس»
تفيد الأنباء السيئة والمتوقعة بأن اسرائيل على وشك الخروج من هذه الحرب مهزومة. أما الأنباء الجيدة والمفاجئة فتفيد بأن هذا الفشل المدوي قد يحمل بشائر جيدة. لو أن اسرائيل انتصرت في المعارك انتصاراً سهلاً وجارفاً، لألحق هذا الأمر ضرراً فظيعاً بالسياسة الأمنية الاسرائيلية. ومن شأن "ضربة خاطفة" أخرى، لو حدثت، إلحاق كارثة بنا. ذلك أن نشوة الانتصار كانت ستُغرينا لتكرار ذلك في ساحات أخرى. نار خطيرة كانت ستُهدد المنطقة كلها. ولن يعرف أحد بنتائجها سوى الله .
في المقابل، قد تعلّمنا الهزيمة في هذه الحرب الصغيرة درساً هاماً للمستقبل، وربما تؤثر علينا لتغيير اللغة التي نتحدث بها مع جيراننا ــ لغة العنف والقوة. فقد تبيّن أن القول إن "اسرائيل لا تستطيع أن تسمح لنفسها بالهزيمة على أرض المعركة" ما هو إلا شعار فارغ من المضمون. لن يؤدي الفشل فقط الى منفعة لاسرائيل، وإنما قد يكون أيضاً سبباً في تعليم الأميركيين درساً هاماً مفاده أن لا جدوى من دفع اسرائيل نحو مغامرات عسكرية.
حققت اسرائيل، منذ حرب 1948، انتصاراً عسكرياً جارفاً وحاسماً واحداً فقط، حرب الستة أيام: عادت "قدرة اسرائيل الردعية" اليها، بقوة كبيرة، وبصورة كان من المفترض فيها أن تضمن أمنها لسنوات طويلة. فماذا حدث؟ مرت ست سنوات فقط قبل أن تحل علينا أصعب حرب في تاريخ اسرائيل، حرب يوم الغفران. في تلك الحرب، وجدنا أننا لا نملك ردعاً ولا من يحزنون، بل على العكس، لم تؤدّ الهزيمة إلا الى حث الجيوش العربية على استعادة كرامتها الضائعة، وقد نجحت في القيام بذلك خلال فترة قصيرة من الزمن. أدركت اسرائيل حدود قوتها. وربما تُنزلنا هذه الحرب بدورها إلى أرض الواقع، حيث تعدّ القوة العسكرية مجرد قوة عسكرية، وحيث زرع الدمار وإلحاق البؤس بمئات آلاف المدنيين، كما فعلنا في لبنان، لا يعدّ عملاً إجرامياً فقط وإنما غير مجد أيضاً؛ نسجل "الانتصارات" و"الانجازات" طوال الوقت أيضا في مواجهة الفلسطينيين، فما الذي ربحناه من ذلك؟ الردع؟ وهل تنازل الفلسطينيون عن حلمهم بأن يكونوا أحراراً في بلادهم؟
لا يعدّ فشل الجيش الاسرائيلي في مواجهة حزب الله هزيمة مصيرية. قتلت اسرائيل ومُنيت بالخسائر، ولكن وجودها، أو أي قطعة من أرضها، لم تدخل دائرة الخطر للحظة. المصطلح المحبب إلينا، "حرب وجودية"، ليس أكثر من مجرد تعبير عن هزلية هذه الحرب السخيفة، التي كانت منذ بدايتها حرباً اختيارية لعينة.
ليس من الصعب التكهن بما كان سيحدث لو أن حزب الله هُزم من الجو خلال أيام، كما وعدنا في البداية، وبتبجح، قادة الجيش. كانت الولايات المتحدة ستزجّنا في مجابهة عسكرية مع سوريا، وكان من الممكن أن نقع في إغراء ذلك لو أننا أُصبنا بنشوة الانتصار. وكنا سننتقل، من بعد سوريا، الى ايران. وفي موازاة ذلك، كنا سنتفرغ لمعالجة أمر الفلسطينيين، لتكون النتيجة محاولة لحل المشكلة الفلسطينية من الأساس بواسطة القضم والمحو والقصف والتفجير.
ربما لن يحدث كل ذلك الآن، لأننا اكتشفنا أن قوة الجيش الإسرائيلي أكثر محدودية مما أخبرونا. قد تعمل القدرة الردعية، منذ الآن، في الاتجاه المعاكس تحديداً. ستفكر إسرائيل مرتين، كما نأمل، قبل أن تدخل مجدداً في مغامرة عسكرية خطيرة. صحيح أن ثمة خطراً في رغبة الجيش الاسرائيلي باستعادة كرامته الضائعة على ظهور الفلسطينيين الضعفاء؛ ذلك أن الأمر، إذا لم ينجح في بنت جبيل، فمن الممكن فعل ذلك في نابلس.
نأمل أن تصحو هذه الحكومة، وأن تقرر اليوم وضع نهاية لهذه الحرب الجنونية. ولكن اذا استوعبنا فكرة أن ما لم ينجح بالقوة لن ينجح بالمزيد من القوة، فإن هذه الحرب قد توصلنا الى طاولة المفاوضات. يحتمل أن يدرك المستوى السياسي، منذ الآن، أن الاستجابة للمخاطر التي تُخيم على اسرائيل لا تكمن في المزيد من ممارسة القوة، وأن الاستجابة لمطالب الفلسطينيين المشروعة لا تكمن في عشر عمليات "سور واق" أخرى، وإنما في احترام حقوقهم، وأن الرد على التهديد السوري يكمن في إعادة هضبة الجولان لأصحابها الشرعيين من دون تأجيل، وأن الرد على الخطر الايراني يتمثل في تقرّبنا من العالم العربي والإسلامي.
اذا انتهت هذه الحرب كما ستنتهي، فربما يسأل عدد أكبر من الاسرائيليين أنفسهم: لماذا نقتل ونُقتل؟ وربما سيدركون أن كل هذا سيكون عبثاً مرة أخرى. ربما يتمثل إنجاز هذه الحرب في حفر فشلها عميقاً في الوعي الاسرائيلي، الأمر الذي يدفعهم الى طريق جديد أقل عنفاً وأقل عربدة، وكل ذلك بسبب الفشل. كتب أفرايم كيشون، في العام 1967، "عفواً، لقد انتصرنا". يمكن القول هذه المرة: من الجيد أننا لم ننتصر.