محمد بدير
أثارت أوامر رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت إلى الجيش الإسرائيلي بتوسيع عدوانه البري على لبنان، لغطاً وأسئلة كثيرة، على خلفية أهدافها وظروفها وموعد صدورها.
فقد وُجّهت قبل ساعات من صدور القرار الرقم 1701، وجاءت تجسيداً للتفويض، الزمني والجغرافي، الذي منحه إياه المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية الأربعاء الماضي، عندما صادق على خطة تقدم بها الجيش لتوسيع العدوان البري وصولاً إلى نهر الليطاني، بهدف علني هو الحد من سقوط الصواريخ على المستوطنات الشمالية، وتوجيه ضربة قاسية إلى حزب الله، وآخر ضمني هو البحث عن انجازات عسكرية ومعنوية لتعويض الإخفاقات التي مُني بها هذا الجيش منذ بدء العدوان.
وقد صدرت الأوامر نفسها أساساً على خلفية فشل الجيـــش الإســرائيلي طوال أيام الحرب، ومحاولته التهرب من المسؤولية عن هذا الفشل من خلال اقتراح توسيع العدوان ووضع المستوى السياسي أمام خيار من اثنين: إما رفض اقتراحه، الذي يتيح له الادعاء بأن المستوى السياسي قيّــد يديـــــه وبالتالي يتحمــــــل مسؤولية الفشل. وإما موافقة المستوى السياسي على الاقتراح، التي تجعل المستوى السياسي شريكاً للمستوى العسكـــري في المســـؤولية عن نتـــائج العــــدوان وأسيراً له.
وهكذا أراد أولمرت، من خلال موافقته المشروطة على توسيع العدوان البري، الالتفاف على اللعبة التي يحوكها الجيش بالاتفاق مع وزير الدفاع، معتقداً أنه يضرب بذلك عصفورين بحجر واحد: فهو من جهة يوجه رسالة إلى الخارج، قبل ساعات من صدور قرار مجلس الأمن، تفيد بأن إسرائيل على وشك تنفيذ عدوان واسع ما لم يتم تلبية شروطها عبر المسار السياسي. ومن جهة ثانية، يلتفّ على انتقادات الجيش وبعض التيارات والشخصيات السياسية والإعلامية التي تتهمه بالتردد في اتخاذ القرارات وبتقييد نشاط المؤسسة العسكرية.
بيد أن خطوة أولمرت لم تؤت أُكلها، فقد تعرض إلى حملة إعلامية شرسة من غالبية المحللين الإسرائيليين، في موازاة حملة انتقادات واسعة وضاغطة من المستوى العسكري، الأمر الذي أوجد انطباعاً عاماً في إسرائيل يحمّله مسؤولية المأزق الذي دخله العدوان.
عنـــــدهـــا، لجــــأ أولمرت إلى منـــاورة، بدا للـــــوهلــــــة الأولى أنها تعبير عن حال من الارتباك واستجابة للضغط، لكنها كانت تعبيراً عن حنكة سياسية تهدف أساساً إلى امتصـــــاص الضغــــــط الداخلي ورمي الكرة في ملعب منتقديه، وإلى الاستعداد لصد أي اتهام مستقبلي له بتحمل مسؤولية فشل الجيش عبر تقييد حركته.
ويبدو أن مناورته انطلقت من تقدير يفيد بأن القرار الدولي، والجدول الزمني الذي يتيحه، يحدّان كثيراً من المخاطر السياسية والعسكرية لقرار توسيع العدوان، ويجعلانه شريكاً في قطف ثمار أي إنجاز يحققه الجيش.
مناورة أولمرت لن تُنقــــذه من الهـــــزة الأرضية السياسية التي تنتظره على الســـــاحة الـــــداخلية، والتي لن توفّر آثارها أحداً من المستويين السياسي والعسكري.
كما أن لعبة تقاذف كرة المسؤولية مع الجيش لن تنفعه بعدما حوّلت المؤسسة العسكرية مناورته ومغامرته إلى فشل جديد سيتقاسم الجميع ثمنه.