الناصرة ــ فراس خطيب
لا تتوقف الصحف الإسرائيلية عن سرد شهادات لجنود إسرائيليين يكشفون فيها عن الأهوال التي واجهوها في الجنوب اللبناني على أيدي رجال المقاومة الإسلامية، الذين تؤكّد التقارير أنهم كانوا على أتمّ الاستعداد لوجستياً وبدنياً وحتى لغوياً، لمواجهة تقدم قوات الاحتلال في الجنوب اللبناني، الأمر الذي دفع أحد الضباط الإسرائيليين إلى وصف ما حدث في الجنوب بالقول «دخلنا، قُتلنا وعُدناويكشف جنود إسرائيليون من وحدة «الهندسة» التابعة لكتيبة «المظليين»، في تقرير أعدّته «يديعوت احرونوت»، عن «المأساة» التي عاشوها في حرب لبنان الأخيرة عندما هاجمتهم قوة من مقاومي حزب الله في قرية دبل.

ويسرد الجنود للصحيفة ما حدث معهم من «إحدى الغرف في مستشفى رمبام» في مدينة حيفا. استعادوا الأحداث منذ اللحظة التي دخلوا فيها إلى مبنى خالٍ من سكانه، كان معدَّاً لتجفيف الزعتر، إلى حين استهداف البيت على أيدي مقاتلي حزب الله وإمطارهم بالصواريخ، حيث قتل منهم تسعة جنود وجرح من تبقى. معظمهم بجراح خطرة.
ويسترجع أحد المقاتلين، من سريره في المستشفى ما حدث: «بعد قضاء ساعات في البيت، سمعنا فجأة دوي انفجارات قوية. ذهب ناتي (قائد الكتيبة) ليتأكد من أنَّ الجيش الإسرائيلي لا يطلق النار باتجاهنا عن طريق الخطأ. ركض ناتي باتجاه المدخل لأنَّ جهاز اللاسلكي الوحيد الذي نملكه كان على مقربة من مدخل البيت. واذا بصاروخ يخترق مدخل البيت ويصيب ناتي ويقتله».
ويتابع: «أصبت أنا بشظايا الصاروخ في يدي وقدمي. لم أر شيئاً في حينه. سمعت فقط صرخات جنودنا تعلو، فوقفت الى جانب أحد الجدران ولم أع إن كنت حياً أم ميتاً. كان البيت معتماً ومغبراً ويملأ أرجاءه الصراخ. كانت الاجواء مثل أجواء جهنم. بعد دقائق، وإثر زوال الغبار واستيعاب الضربة، بدأت أشاهد من كان حولي: كان المصابون يسبحون في دمائهم بين عروق الزعتر ويصرخون. عدد منهم قتل على الفور. لم أستوعب الصراخ والمشاهد. منهم من فقد رجله ومنهم من فقد عينه ومنهم من قُتل».
ويتابع الجندي: «قررنا أنا وجندي آخر أن نخرج أحد الجنود، وأن نضعه على الحمالة. فجأة، أطلق مقاتلو حزب الله صاروخاً آخر علينا. شعرت بأني أُصبت. فنظرت إلى يدي اليسرى ووجدت أن عظام يدي خرجت من مكانها. أُصبت في رأسي أيضاً، لكني لم ألمسه خوفاً من اكتشاف شيء ما. تركت الجريح ومضيت بعيداً عن المكان إلى أن جاء المسعف وأوقف الدم النازف من رأسي وجسدي».
بعد ساعات، استطاع الجنود الهرب الى جبل قريب. لم تقاتل الكتيبة أحداً. كان هدف أفرادها هو البقاء أحياء. ظل الجنود الاسرائيليون في مكانهم إلى أن أُشيع أن الجيش سيبعث مروحية تنقل الجنود «لكنَّ هذا لم يحصل». ويقول أحد الجنود: «انتظرنا ثلاث ساعات والجرحى يصيحون تحت القصف. لوّحنا لهم بأيدينا بأننا موجودن هناك. كانت هناك فوضى كبيرة. كان بيننا جرحى في حالة صعبة، منهم من فقدوا ارجلهم وأيديهم. وكان علينا تغيير اماكننا طيلة الوقت. وكلما انتقلنا من مكان إلى آخر نقلنا الجنود الجرحى
معنا». توضحت الصورة في النهاية، وجاءت التعليمات من قيادة الجيش الإسرائيلي: «على الجنود أن يعودوا مشياً على الأقدام حتى الحدود». لم يكن امام الجنود أي خيار. قاموا بمسيرة وهم يحملون الجرحى. وأطلقوا عليها اسم «مسيرة الحمّالات».
كانت المسافة نحو 4.5 كيلومترات. يقول أحد الجنود: «ركضنا 30 دقيقة، كانت تلك المسافة أكبر مسافة في العالم». ويكشف الجنود أن التمارين التي تلقوها قبل دخول المعركة «لم تكن كافية».
وقال أحدهم: «قمنا ببعض التمارين، ولكننا لم نعرف كيف نعمل معاً. قلنا ذلك للضباط لكنهم تجاهلونا. خرجنا الى الحملة، وأثناء القتال، لم نعرف من يقاتل من».
وفي السياق نفسه، كشفت صحيفة «هآرتس» أن مقاتلين من حزب الله ممن يتحدثون اللغة العبرية، كانوا في مواقع الحزب على طول الحدود مع إسرائيل قبل اندلاع الحرب. وبحسب الصحيفة، فإنه خلال تدمير خط المواقع التابع لحزب الله على يد الجيش الإسرائيلي، عثرت القوات الإسرائيلية على وثائق كتبها مقاتلو الحزب، وهي تتضمن تسجيلات بالعبرية لمحادثات أجراها الجنود على شبكات الاتصال التابعة للجيش الإسرائيلي.
وروى جنود من الجيش الإسرائيلي، ممن وُضعوا على طول الحدود قبل الحرب، حادثة حصلت معه. يقول: «دخلنا إلى نقطة متقدمة. لكن رجال حزب الله على الطرف الثاني من الحدود اكتشفوا وجودنا، وسألونا عبر الصراخ عن قائد سريتنا. وقد استخدموا الاسم السري لقائد السرية على شبكة الاتصال. وفي النتيجة، أدركنا أنهم يستمعون ويفهمون كل ما نقوله على شبكة الاتصال».