هآرتس - رؤوبين بدهتسور
بدأ يتّضح فشل الولايات المتحدة في حرب فيتنام عندما تبنى الجنرال فستمورلاند، قائد القوات الأميركية في فيتنام،
نهج "إحصاء الجثث"، كبديل من الانتصارات العسكريةتبين أن الجيش الإسرائيلي تبنّى في الأسابيع الأخيرة النهج نفسه. عندما يبقى الجيش الأكبر والأقوى في الشرق الأوسط يتقاتل طوال أكثر من أسبوعين مع 50 مقاتلاً من حزب الله يدافعون عن بنت جبيل من دون أن ينجح في إخضاعهم، لا يتبقّى أمام قادته إلا الإشارة الى عدد جثث مقاتلي العدو.
يمكن الافتراض أن بنت جبيل، ستتحول الى رمز لحرب لبنان الثانية. ستكون هذه المعركة في تراث مقاتلي حزب الله وتقاليدهم وكأنها ستالينغراد الخاصة بهم. أما بالنسبة إلينا، فستكون تذكارا مؤلما لفشل الجيش الإسرائيلي في الحرب.

المصطلح الأكثر ملاءمة لوصف الوضع هو " تلقينا ضربة قاضية". لا يتعلق الأمر بفشل عسكري فقط. هذا فشل استراتيجي لم تتضح بعد تداعياته السلبية بعيدة المدى. ومثل الملاكم بعد تلقيه الصدمة، لا نزال جاثمين على الأرض، مشوشين، نحاول فهم ما حدث لنا. ففشل الجيش الإسرائيلي في القتال يقضم الذخر الأهم بالنسبة إلى الأمن القومي ــ صورة الدولة القوية ــ التي تمتلك جيشا ضخما وقويا ومتطورا قادرا على توجيه ضربة ساحقة إلى أعدائنا في ما لو جرؤوا على التحرش بنا. هذه الحرب، كما اتضح بسرعة كبيرة جدا، كانت حربا على "الوعي" و"الردع"، لكننا فشلنا في الحالتين. هناك أهمية بالغة لصورة الجيش الإسرائيلي، ومعه صورة إسرائيل نفسها، في نظر العدو الذي نقاتله، وفي نظر الخصوم الآخرين في المنطقة، فهؤلاء ينظرون باستغراب إلى الجيش الإسرائيلي الذي لا ينجح في إخضاع تنظيم عصابات صغير طوال أكثر من شهر، والذي فشل ودفع ثمنا فادحا في غالبية المعارك التي بادر اليها في جنوب لبنان. والأخطر من كل ذلك، أنه لم ينجح في شل قدرة حزب الله على إطلاق الصواريخ، الأمر الذي أجبر أكثر من مليون إسرائيلي على ملازمة الملاجئ لأكثر من أربعة أسابيع. كثيرون من أولئك الذين يخططون للحروب المقبلة ضد إسرائيل يتساءلون: ماذا حدث لهذا الجيش العملاق الذي لم ينجح بعد شهر، من التقدم أكثر من بضعة كيلومترات داخل لبنان؟
كان نجاح الردع الإسرائيلي يرتكز على إدراك العدو بأنه سيدفع ثمنا باهظا جدا إذا مس إسرائيل. ولكن عندما يسقط أكثر من 3 آلاف صاروخ على الجليل وحيفا والخضيرة من دون أن تجبي إسرائيل ثمنا من أحد، يتضرر الردع الإسرائيلي.جعل الجيش الإسرائيلي رئيس الحكومة ووزراءه يفهمون أن سلاح الجو سينجح في تصفية قدرات حزب الله القتالية خلال أيام معدودة، ثم سيسود وضع جديد في لبنان. حدد أولمرت، على أساس هذه الوعود، أهداف الحرب الطموحة، والتي لم تكن قابلة للتحقّق.
مثلما حدث قبل حرب الغفران، كان هناك مزيج هدام من العجرفة والغرور والغطرسة والاستخفاف بالخصم. كان الجنرالات واثقين جدا بنجاح سلاح الجو لدرجة أنهم لم يُعدوا أي بديل في حالة الفشل في تحقيق الأهداف. وعندما اتضح بعد أسبوع أن حزب الله لا ينهار، وأن قدرته على إطلاق الصواريخ لم تتضرر بصورة جوهرية، علق الجيش الإسرائيلي في ضائقة حقيقية وحالة من الإرباك. هذا هو سبب التردد في استخدام القوة وانعدام العزيمة والتصميم على الدفع بالقوات البرية. ستضطر لجنة التحقيق الى فحص كيفية دخول الجيش الى هذه الحرب من دون بلورة بدائل لاستخدام القوة، ومن دون التخطيط لكيفية إنهائها. فشل المستوى السياسي في تبني السياسة التي اقترحها الجيش من دون محاولة تفحص منطقها واحتمالات نجاحها، ومن دون تفحص البدائل عنها. كشفت عملية اتخاذ القرارات التي قادت الى هذه الحرب، مرة أخرى، عن الخلل الخطر جدا في عملية رسم سياسة الأمن القومي. في هذه المرة، مثل كل المرات السابقة، كان الجيش، وليس الحكومة، من حدد ما ستفعله إسرائيل في لبنان.
تسببت الغطرسة والثقة الذاتية المفرطة التي ميزت قيادة الجيش بإهمال تحصين الجبهة الداخلية. إذا كان واضحاً أن سلاح الجو سيقضي على القواعد الصاروخية خلال أيام، فلماذا يُطلب من سكان المنطقة الشمالية إعداد الملاجئ والتزود بالمؤن. النتيجة معروفة. أكثر من مليون مواطن قبعوا في الملاجئ أكثر من شهر باحثين عن الطعام من دون الحد الأدنى من ظروف الحياة.
فشلت الاستخبارات أيضاً. تتالت المفاجآت والإخفاقات. بعضها يستند إلى تبني المفهوم الخاطئ إزاء قوة حزب الله وقدرته. ينبع نجاح حزب الله من مفاجأة دورية للجيش الإسرائيلي واختطاف اثنين من عناصرها، مما أدى الى اندلاع هذه الحرب، من فشل استخباري. كما أن استخبارات الجيش الإسرائيلي لم تُقدّر بصورة صحيحة قدرات حزب الله القتالية، ولم تعرف بوجود أنفاق على مقربة من مواقع الحزب، كما أخطأت في جمع المعلومات حول استعداد مقاتلي حزب الله وانتشارهم في بنت جبيل.
حرب يوم الغفران محفورة في الذاكرة كحدث انعطافي تصدعت على أثره ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي. مرت سنوات غير قليلة قبل أن يعاد بناء هذه الثقة. لا يزال مبكرا أن نُقدّر ما إذا كانت حرب لبنان الثانية ستُذكر كخط الانكسار الذي سيصحو الجمهور في أعقابه من وهم القوة العسكرية الإسرائيلية غير المحدودة.