جدعون ألون - «هآرتس»
اليمين انتصر. النتيجة الواضحة الوحيدة لهذه الحرب هي أن اليسار قد تلقّى ضربة قاضية اخرى، ومعسكر اليمين تعزز. الاعتقاد السائد الآن، ليس أنه لم يعد هناك من يمكن التكلم معه فحسب، بل أنه لا يوجد ما يمكن التحدث عنه: انسحبنا من غزة فحصلنا على القسام وحماس؛ وانسحبنا من لبنان فحصلنا على الكاتيوشا وحزب الله. الاستنتاج: نهاية عهد الانسحابات. يجب أن نسأل أنفسنا، قبل لحظة من ترجمة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان هذا الطوفان التفكيري الى إنجاز انتخابي: الى أين يقودوننا، وإلى أين نسيربات اليمين الآن ملزماً بإعطاء إجابات. يتعيّن على كل يائسي اليسار والمنضمّين الجدد لليمين والمربكين أن يتوقفوا ويسألوا أنفسهم: ما المغري الذي يقترحه بالضبط هذا اليمين؟ في الوقت الذي يفكرون فيه في سوريا، على سبيل المثال، للمدى البعيد، ويبني بشار الأسد رؤيته للأجيال المقبلة على أساس إخضاع اسرائيل، يتميز النقاش الإجماعي الاسرائيلي بالتملص التام من أي تفكير بعيد الأمد. ينشغلون بيوم الغد في أبعد الأحوال، وثمة سبب لذلك هو أن اليمين الاسرائيلي لا يملك الحلول.
ثمة بديلان حقيقيان محتملان للمدى البعيد: الترانسفير أو نهاية الاحتلال. اليمين المتعقل ما زال يرفض الترانسفير، ولا يتبنّى نهج انهاء الاحتلال. وبما أنه لا يملك طريقاً آخر، فليس بمقدور اليمين اقتراح شيء سوى الحرب المقبلة. وعليه، يرى مطلب ايجاد حلول بعيدة المدى مطلباً ملحّاً.
لم تعد هناك فرصة لنجاح خيار الانطواء، ورئيس الحكومة نفسه يعترف بذلك، وإعادة الأراضي عبر الاتفاق غير مقبول بالنسبة لليمين. ضمّ المناطق الفلسطينية ليس احتمالاً وارداً، لأن اليمين أيضاً يدرك أن ذلك يعني دولة ثنائية القومية، وهو ما لا يرغب فيه. ماذا يبقى؟ الانتظار. انتظار ماذا بالضبط؟ أن يصبح الفلسطينيون أكثرية بين النهر والبحر؟ أن تتزود الدول العربية بأسلحة حديثة اضافية، وفي نهاية المطاف السلاح النووي؟ وماذا نفعل حينئذ؟.
الاعتقاد بأن الفلسطينيين سيخضعون وأن العرب سيتنازلون هو اعتقاد خاطئ لا فرصة له في النجاح. السنوات الأخيرة علّمتنا، عبر الطريق الصعب، أن الاتجاه معاكس تماماً. إصرار الفلسطينيين على التحرر من نير الاحتلال هو اليوم أكثر بكثير مما كان عليه قبل عشرين سنة، وسوريا لم تتنازل عن الجولان، والدول العربية لا تنوي الوقوف جانباً الى الأبد. الاسلام المتطرف آخذ في تعزيز مواقعه، وليس لدى الإجماع الوطني الاسرائيلي أيضاً ردّ على ذلك باستثناء مواصلة التسلح التي لا تعدو كونها حلًّا غير نافع كما تبين في هذه الحرب.
الوقت الذي يمر يزيد من المخاطر التي تواجهها اسرائيل، التي تتقدم في دروب اليمين نحو الهاوية. ويتبيّن لنا، في الواقع، أن اسرائيل لم تسر قطّ في درب آخر. لم تحاول يوماً وضع نهاية حقيقية للاحتلال. فاتفاقات اوسلو لم تُطبّق كما يجب، وهي لم تكن كافية أصلاً لإنهاء الاحتلال. اقترح ايهود براك ما اقترحه، إلا أنه لم يُطبّق شيئاً قطّ. لم يؤدّ الانسحاب الأحادي الجانب من غزة مع مواصلة فرض الحصار عليها الى انهاء الاحتلال. طريق اليسار لم يُجرّب قطّ، فكيف يمكن إذاً أن نيأس منه؟
اختارت اسرائيل دائماً طريق اليمين. طريق التسلح والاستيطان والتمترس خلف الأسوار ومحاصرة المناطق وسكانها من خلال قوة عسكرية وحشية والاستمتاع بالإحسان الاميركي الغابر. ليست هناك طريق تُمثّل خطراً على وجود اسرائيل أكثر من هذه الطريق. ومن يحتاج الى الدليل، مدعوّ إلى التمعن في حرب لبنان: جيش اعتاد التحرك في أزقّة يقطنها الضعفاء، وجد نفسه فجأة يخوض قتالاً مع مقاتلين مسلّحين وذوي عزيمة وبأس. النتيجة أمام أعيننا. طواقم الدبابات التي اعتادت مواجهة أمطار الحجارة والقنابل الحارقة في المناطق الفلسطينية، واجهت في لبنان صواريخ قادرة على اختراق المدرعات، فعجزت عن التصدي لها. في الحرب المقبلة، اذا حدثت لا سمح الله، سيجد الطيارون الممجدون هم أيضاً، أنفسهم في مواجهة مفاجآت غير معروفة وسيكتشفون أسلحة جو مجرّبة بدلاً من السماء المفتوحة الخاضعة لإمرتهم. الجيش الذي قضى وقته في اعمال بوليسية سخيفة وتصفيات يائسة في مناطق الاحتلال، لا يعرف كيف يخوض الحروب الحقيقية.
اليمين لا يملك أيّ ردّ على المخاطر المركزية التي تُحلّق فوق رؤوسنا: الديموغرافيا والإسلام والتكنولوجيا.
من المذهل أن يحظى النهج الخطير والفاشل بهذه الشعبية المتزايدة وخصوصاً بعد الحرب التي برهنت بصورة صارخة على عدم جدواها. بدلاً من خروج الناس الى الشوارع مطالبين بإجابات حقيقية، تراهم يتمترسون أكثر فأكثر في دربهم القديم السيئ. نُجرّب نهج اليمين المتجبر القائم على استخدام القوة والطغيان منذ 60 عاماً تقريباً. نتائج ذلك مسجّلة أمامنا بالدم والخوف. ألم تحن اللحظة حتى نُجرب ولو مرة ــ وإن متأخرين ــ البديل الذي لم نُجرّبه؟