strong>كتب المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، نقلاً عن ضباط وجنود شاركوا في معركة وادي السلوقي، شهادات لمجريات المعارك في هذا القطاع. معارك غيرت اتجاهات الحرب ودفعت الجيش الاسرائيلي الى التراجع وفي ما يلي مقتطفات من تلك الشهادات:قتــال اللحظــة الأخيــرة قبــل ســريان وقــف النــار
بعد ساعات على دخول وقف النار حيز التنفيذ، اجرى ضابط رفيع من قيادة الفرقة 162 محادثة مع الصحافيين، هدفت الى عرض إنجازات الفرقة في الحرب. قدم الضابط وصفاً للخطوات النهائية التي قامت بها الفرقة: التقدم في وادي السلوقي الى قريتي الغندورية وفرون القريبتين من الليطاني.
خلال المحادثة، نهض عدد من المراسلين سائلين: اين الإنجاز هنا بالضبط؟ ذلك أنه فور تجاوزكم لهذا العائق (السلوقي) بخسائر غير قليلة امروكم بالتوقف. والآن، مع وقف النار، سيخلي الجيش المواقع المتقدمة التي سيطر عليها. فمن اجل ماذا سقط الجنود؟
امتنع الضابط عن الاجابة قائلاً إنها اسئلة يتعين طرحها على المستويات «الاعلى مني».
في الغندورية قاتل النقيب في الاحتياط حناني مزراحي وثلاثة من جنوده. ومثل كل جنود الاحتياط تقريباً، لديهم أيضا قلوب مليئة بالغضب، وما زالت المشاهد أمامهم شاخصة، ويروون تفاصيل انكشفت أمام ناظريهم واضعة علامات استفهام، مثل العبوات الجانبية وكأنها تنفجر الآن أمامهم. ويقول مزراحي إن «الأهم أن نتذكّر أنه في سياق الحرب الكبرى هناك حروب صغيرة، وأن هناك أناساً يعرفون كيف يقدمون العون لرفاق لهم في الأزمة، وينفذون المهمات تحت النار، أناساً يعطون كل شيء، وهو ما نُسي في هذه الحربينبغي إجراء فحص دقيق وعميق لأحداث الايام الاخيرة للحرب، الايام الواقعة بين اعطاء الإذن بالتقدم البرّي يوم الجمعة 11 آب حتى سريان وقف اطلاق النار الاثنين 14 آب. والانطباع الظاهر إلى الآن، هو أن هناك خليطاً فتّاكاً من الظواهر الإشكالية في الحرب: قيادة سياسية مع خبرة ميدانية متدنية تهتم بإنجاز يلوح في الافق كلما كبر الانزعاج الجماهيري منها. هيئة اركان تريد فك القيود عنها، وأن تتقدم قواتها حتى وإن بدا أن وقف اطلاق النار بات وشيكاً. وقيادة فرقة تريد اظهار قدرتها بعد انتظار طويل.
في معركة السلوقي ــ الغندورية، سقط 16 عسكرياً من الفرقة 162، من بين 33 قتيلاً سقطوا في هذا القطاع، وإلى أن ينتهي التحقيق في الحرب، يمكن الافتراض أن اسماء هذه الاماكن ستتردّد روتينياً على كل شفة.
بدأت الفرقة 162 الحرب بوتيرة بطيئة قليلاً. فبينما شهد القطاع الغربي معارك قاسية على الارض، عُلّق دخول الفرقة الى القطاع الاوسط في اللحظة الاخيرة لسوء المناخ، والتقدم اللاحق كان متردّداً. قتل 12 من مقاتليها عندما سقط صاروخ كاتيوشا على المخيم اللوجستي لكتيبة المظليين التابعة لها. ولخّص الإنجاز اليومي لفرقة المدرعات، الرائدة في الجيش الاسرائيلي، والتي بُذل في تطويرها مبالغ مالية ضخمة، بتدمير بعض منصّات اطلاق الصواريخ والإضرار بعدد من عناصر حزب الله. وأملوا في الفرقة، أن يؤدي الاختراق من ناحية الغرب الى تغيير الصورة.
الصحيح أن نورد أن نقاشاً مهنياً دار بين قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي أودي آدم وبين قائد الفرقة 162 العميد غاي تسور حول المصادقة على مسار التقدم البري. (فبحسب إحدى الروايات، أوصى تسور بالامتناع عن سلوك ممر وادي السلوقي، والعبور من خلال ممر التفافي لناحية الجنوب)، إلا أنه في نهاية المطاف تقرر الهجوم، وبقي انتظار مصادقة المستوى السياسي.
قبل جلسة المجلس الوزاري المصغّر يوم الاربعاء 9 آب، افترضوا في الجيش أنهم سيحصلون على المصادقة للبدء بالعملية، وبغية توفير الوقت، عملوا على ارسال كتيبة هندسة من الفرقة 162 الى مقربة من السلوقي، وهو ما لاحظه حزب الله وأدى الى تعزيز انتشاره في المنطقة، وشمل ذلك خلايا الصواريخ المضادة للدروع التي كانت في انتظار القوات (الاسرائيلية).
اتُّخذ القرار مساء الجمعة، وأعطى رئيس الوزراء ايهود اولمرت الإذن للجيش بالتحرك نحو الليطاني. أعطي الجيش 60 ساعة، اذ اتفق اولمرت مع الادارة الاميركية على أن يسري وقف النار صباح يوم الاثنين.
محور نشاط الفرقة 162 التحرك غرباً، من الطيبة والقنطرة باتجاه الجانب الغربي من السلوقي. كان يفترض بقوات الفرقة الاتصال بفرقتين اخريين تحركتا شمالاً، والمساعدة على العمل للسيطرة على مواقع جنوبي الليطاني.
وادي السلوقي يقع في الوسط، في ما يُعرف (عسكرياً) بـ«المعبر الضروري»، اذ يجب اجتيازه لمواصلة التقدم. والصعوبة هي أن المسألة تتعلق بموقع شديد الانحدار، نحو مئة متر من حيث الارتفاع في قطاع طوله 400 متر، وهو قطاع يمكن السيطرة عليه من اتجاهات متعددة.
الضرورة كانت في خرق مقاومة حزب الله في القطاع، من أجل السماح لفرقة المدرعات بأن تتحرك في محور جبلي صعب مهدد من حزب الله: تمّ إنزال قوة مشاة كبيرة من لواء الناحل وغولاني عبر المروحيات، استولت على مواقع في قريتي الغندورية وفرون، الواقعتين غربي وادي السلوقي، في مواقع اعلى منه، بينما كانت مهمة المشاة تأمين مسار الدبابات.
تبيّن أن حزب الله كان مستعدّاً تماماً، كما هو الوضع في معارك اخرى. فقد دمرت الدبابة الاولى التي تقدمت الى وادي السلوقي، وعلى متنها قائد سرية، بعدما صعدت على عبوة ناسفة كبيرة. وأصيب نحو 10 دبابات اخرى، بعضها من مسافة 4 كيلومترات، بواسطة صواريخ متطورة من نوع «كورنت» سوفياتية الصنع. اشتعلت النيران في بعض الدبابات. وأطلق عدد من الصواريخ من الخلف من قرية العديسة، البعيدة نصف كيلومتر عن مسكاف عام، وهي منطقة ادّعى الجيش أنه سيطر عليها قبل اسبوعين من ذلك.
تمكّنت القوات من يوم الجمعة حتى فجر الاحد، بقيادة قائد اللواء المدرع النظامي 401 العقيد موتي كيدور، من الاقتحام ونجح عدد من الدبابات في الوصول الى الجبل، وخاض مقاتلو الناحل وغولاني معركة حامية الوطيس مع حزب الله في القرى. أُنجزت المهمة وسقط ثمانية رجال من سلاح المدرعات وأربعة من جنود المشاة. ومن بين المصابين: قائدا سريتي دبابات، وقائد كتيبة مدرعات بجروح خطيرة.
صباح الاحد، صدر أمر هيئة الاركان للفرقة بالتوقف في المكان. وبعد ساعات، قتل 4 جنود في الجانب الشرقي من القطاع، وحتى صباح الاثنين كان وقف النار قد دخل حيز التنفيذ، وفي المساء خرج معظم المقاتلين عائدين الى اسرائيل.


تاريخ مليء بالأخطاء

تاريخ حروب الجيش الاسرائيلي مليء بالاخطاء، وبمعارك لم تدر كما ينبغي، وبخسائر كان يمكن وصفها احيانا بضحايا عبثية.. لعل ما حرك اولمرت للمصادقة على الحملة لم يكن الهلع على مكانته السياسية، بل التخوف الحقيقي من فقدان إنجازات الحملة. يدعون في محيط رئيس الوزراء أن الجيش وعده بأنه يمكن الاستيلاء على مواقع هامة في 60 ساعة. وكان يفترض بالوقوف على الليطاني أن يوفر نقطة انطلاق أفضل للصراع ضد الكاتيوشا.
يقول مسؤول رفيع المستوى في هيئة الاركان ان «من المشروع تماماً السماح للجيش الاسرائيلي بإنهاء خطوة عسكرية لتحقيق اتفاق سياسي أفضل. وهذا ما يحصل في كل الحروب». لكن في ضوء ما يتبين تدريجا عن كيفية اتخاذ القرارات في الايام الاخيرة للحرب، يصعب ان يتحرر المرء من التفكير في حظ هذا الجيل من المقاتلين فهم يدفعون ثمنا باهظا نتيجة اخطـــــــاء القــــادة الذين ارسلوهم الى هذه المهمة.

أحد الجنود بلع لسانه

يروي مزراحي "اقتربنا لمساعدة الجرحى، وسحبناهم الى خارج الدبابة، وهي مرحلة لا تعرف فيها إن كان الصاروخ الآتي سيصيبك أنت، وبالتالي ستحتاج الى من يسحبك الى الخارج". يضيف "سحبانهم الى كرم الزيتون، وطوال الوقت كانت تطلق علينا نيران دقيقة من أسلحة خفيفة وقذائف هاون، وكنا نقوم بعملية الإنقاذ ونرد بنيران دقيقة".
ويوضح مزراحي أن "أحد الجنود بلع لسانه وانهار بعد أن مددنا الجرحى على الأرض، فقمنا بعملية إنعاشه لكن قلبه توقف عن النبض، كما فقدنا لاحقاً جندياً ثانياً، فلم يكن بين الجنود أي مسعف".
ويروي مزراحي "كنا نطلب طوال الوقت مساعدة من الكتيبة فيجيبون إن قوة الإنقاذ ستصل في أي لحظة، لكنها تأخرت فتوصلنا الى نتيجة بأن نرتب وضعنا بأنفسنا ونبدأ بالتحرك تجاه قواتنا، ولم يخطر ببال أحد منا في أي مرحلة الإبقاء على الجثث في الميدان، فقد خشينا من أن يكون هدف الكمين الذي نصبه لنا عناصر حزب الله هو خطف أحد الجنود حياً أو ميتاً، وطوال الوقت أطلقوا علينا نيراناً ناجعة، ورغم وصول قوة الإنقاذ واصل حزب الله إطلاق النار، إلا أننا نجحنا في سحب الجثث الثلاث والجريح".

«اختبأنا» في الغندورية

تقدمت غرباً كتيبتان من اللواء 401 المدرع غروب الجمعة في إثر لواءي ناحل وغولاني بهدف السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض في الوقت الباقي حتى سريان وقف النار.
صباح السبت، واصلت الكتيبة 9، بعد إخلاء قائدها الذي أصيب إصابة بالغة، تسلقها من وادي السلوقي باتجاه قرية الغندورية، بقيادة قائد السرية (ل) شاي برنشتاين. قرب دبابة قائد السرية، تحركت دبابة قائد الفصيل الثاني حاييم غلفند، وفيها، إضافة الى الطاقم أربعة جنود، الملازم مزراحي وثلاثة من عناصره، الذين جلسوا في الخلف من دون أن يعرفوا أين موقع الدبابة وأين موقع باقي القوات، لكن مزراحي استطاع، من خلال التنصت الى جهاز الاتصال، فهم تفاصيل قليلة عما يجري في المعركة.
اصطدم طابور الدبابات في أعلى الجبل بصواريخ ثقيلة مضادة للدروع. لكن الدبابتين في مقدمة الطابور وصلتا الى مسافة عشرات الأمتار من القرية، فيما أصيبت الدبابتان في الخلف بالصواريخ، وقرر برنشتاين الالتفاف والعودة من طريق جانبي للمساعدة على إنقاذ المصابين. بعد ذلك فوراً، تزحلقت دبابة غلفند في حفرة جانبية وانهار الطريق تحتها نتيجة عبوة ناسفة على ما يبدو. وكانت الدبابتان المتوقفتان هدفاً مريحاً لمطلقي الصواريخ من حزب الله. الصاروخ الأول أصاب دبابة قائد السرية، واندفع برنشتاين نفسه من الدبابة.
ويروي مزراحي «خرجنا بسرعة من الباب الخلفي، وكانت هذه المرة الأولى التي خرجنا فيها من الظلمة التامة الى الضوء من دون أن نعرف من أين يطلقون النار علينا». ويضيف «رأينا دبابة شاي وقد تصاعد منها الدخان، وتعرضنا لنيران ثقيلة جداً. كنا محاطين ـــ بـ270 درجة من النار ـــ نيران سلاح خفيف، قذائف هاون، وصواريخ مضادة للدروع، ووجدنا أنفسنا في حمام من النار».
بدءاً من هذه اللحظة تولى مزراحي قيادة كل القوة من دبابة غلفند. يقول «لم يكن هناك مخبأ قريب، فاختبأنا في كرم زيتون مجاور، وجنود سلاح المشاة الأربعة أخذوا وضعية دفاعية 360 درجة وبدأوا يردون بالنيران من أسلحة خفيفة في وقت كانت فيه الصواريخ المضادة للدروع تتطاير علينا من كل اتجاه، ولم تكن لدينا القدرة على التحرك الى الأمام أو الى الوراء».

اعتراض بلا جدوىوأوضحت مصادر في الجيش الاسرائيلي أنه عندما تُحرّك قوة بهذا الحجم في منطقة يهددها العدو، يصعب جداً العمل على إيقافها، وهو ادعاء لم يلق قبولاً من موفاز وآخرين.