علي حيدر
تزايدت وتيرة الدعوات إلى إبـــــرام اتفاق سلام مع سوريا، أو على الأقل إلى فحص جدية النيات السورية بهذا الشأن، في العديد من الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية. دعوات توالت مباشرة بعد فشل العدوان على لبنان في تحقيق أهدافه الأساسية.
صدر أكثرها عن جهات تنتمي الى المعسكر الذي يتبنّى خيار التسوية مع سوريا بهامش سياسي أكثر مرونة قياساً الى اليمين الإسرائيلي. لكن توقيتها، بعد وقف النار مباشرة، يشير الى رؤية إسرائيلية حول كيفية معالجة الوضع المستعصي على الساحة اللبنانية، تستهدف القضاء على المقاومة أو تحجيمها. رؤية تتمثل في طرق البوابة السورية التي تعدّ من منظور إسرائيلي مدخلاً للالتفاف على المقاومة عبر خيار من اثنين: إمّا التلويح بمفاوضات لدفع ثمن سياسي يتمثل بانسحاب من الجولان في مقابل دور سوري، مفترض إسرائيلياً، لتحقيق ما عجزوا عنه في لبنان، أو الضغط عليها لممارسة هذا الدور.
وتشكّل هذه الدعوات أيضاً محاولة من وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس، وآخرين، لحرف الأنظار عن فشل الحرب على لبنان ودور المسؤولين فيه، وتشتيت اهتمامات الرأي العام في ظل الحديث المتزايد عن لجنة تحقيق رسمية في ما جرى.
لا يخفى أنه بعدما أصبحت الحكومة بلا أي برنامج سياسي جراء سقوط خطة الانطواء من جدول أعمالها، قد يشكّل الحديث عن طرق أبواب المسار السوري بديلاً محتملاً في هذا السياق، رغم كونه لم يتطور الى حد التبني الكامل من قبل الحكومة حتى الآن.
أمّا بخصوص موقف إيهود أولمرت، الذي اشترط التخلي السوري المسبّق عن دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، فلم يخرج عن الخط التقليدي الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي والذي يحرص رئيس الوزراء على عدم إغضابه حتى الآن، علماً أن مجرد تبني رئيس الحكومة لخطـــوة كهذه يعدّ صفارة الانطلاق العملية.
لكنّ انطلاقة كهذه تستوجب، قبل أي شيء آخر، تلمّس الموقف الأميركي، باعتبار أن الولايات المتحدة هي صاحبة القرار الأول في هذا المجال، فهل تدفع المحاولة الأميركية الفاشلة في الحرب على لبنان الى الجنوح نحو المزيد من الواقعية السياسية أم إن المسافة لا تزال طويلة للوصول الى ذلك؟ باعتبار أن الإدارة الأميركية لا تزال تظنّ أن بحوزتها العديد من الأوراق الأخرى التي لا بد من استنفاذها.
رغم أنه ما زال هناك العديد من الأسئلة التي قد تتّضح الإجابة عنها مع مرور الوقت، ينبغي إذا ارتفعت الأصوات الإسرائيلية المنادية بفحص النيات السورية، أو تلك الداعية إلى فتح قناة تفاوض رسمية، أن ترفع مستوى الحذر، ذلك أن دعوات السلام الإسرائيلية قد تكون دليلاً على تسوية ما في الأفق، كما أنها قد تشكل مقدمة لجولة عنف إقليمية سيكون للبنان النصيب الكبير من تداعياتها.