تتزايد الأصوات المحذّرة من التداعيات السلبية لحركة الاحتجاج على الديموقراطية في إسرائيل، ويتعمّق الانطباع السائد بأنها ستُوظّف لمصلحة غايات سياسية وفق جدول أعمال اليمين الإسرائيلي.مهدي السيد

بعد الحركة الاحتجاجية التي بادر إليها عدد من جنود الاحتياط، وانضمام عدد من عائلات القتلى العسكريين في لبنان إليها، مع بعض هيئات المجتمع المدني مثل حركة الدفاع عن جودة الحكم، أُعلن أمس عن تشكيل إطار احتجاجي جديد، يحمل اسم «منتدى الضباط لتحسين الجيش» والمكوّن من عشرة ضباط برتبة «قائد كتيبة» وما فوق.
وتكمن أهمية هذا الإطار في أنه يشكل إضافة نوعية للحركة الاحتجاجية، نظراً للرتب العسكرية التي يحملها أعضاؤه. وتكمن ميزته أيضاً في حصر مطالبه بالدعوة إلى تأليف لجنة تحقيق رسمية واستقالة قائد أركان الجيش، الجنرال دان حالوتس، من دون المطالبة باستقالة المستوى السياسي، الأمر الذي يثير علامات استفهام.
وثمة ميزة أُخرى تمثّلت في تقدّم المنتدى المذكور بعريضة اقترح فيها «خطة تطويرية للجيش والمجتمع الإسرائيليين على ثلاث مراحل: أولها استقالة قائد الأركان، وثانيها إقامة لجنة تحقيق رسمية، وثالثها إقامة لجنة متابعة للقضايا مكوّنة من ضباط في الاحتياط، والعمل على تطبيق توصيات اللجان».
وفي سياق التعليق على حركة الاحتجاج، حذر البروفيسور داني غوتفين، في «يديعوت أحرونوت»، من المخاطر الكامنة فيها، التي قد تعرّض الديموقراطية الإسرائيلية للخطر، وتحوّل المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع فاشي. وقال غوتفين إنه «إذا كانت انتخابات 2006 شكلت جرس إنذار إزاء ضعف الديموقراطية الإسرائيلية، فإن احتجاج جنود الاحتياط وضباطه في صيف 2006 هو بمثابة ضوء أحمر، ذلك أنه عندما تحتل الوحدات العسكرية مكان الأحزاب، وعندما تأخذ قصص المعارك المقبلة مكان التحليل الاجتماعي، ويحل الثُكل والحزن مكان البرنامج السياسي، حينها تحوم رائحة الفاشية في الأجواءوبحسب غوتفين، فإن «المطالب بتأليف لجنة تحقيق واستقالة رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس وحالوتس، مشروعة، لكن الطريق الذي ينتهجه رجال الاحتياط لتحقيق مطالبهم خطير، ذلك أن تحويل كتائب وألوية إلى منظمات سياسية وتوجيه إنذار إلى المستوى العسكري والسياسي باسم الضحية في ساحة القتال، من شأنها الإشارة إلى نهاية الديموقراطية الإسرائيلية».
ويرى غوتفين أنه «خلافاً لمقاصدهم، فإن احتجاج رجال الاحتياط لا يساعد في ترميم المجتمع والديموقراطية المستنزفة في إسرائيل، بل على العكس، يضعها أمام تحدٍّ لا سابق له».
من جهتها توقفت ليلي جليلي، في «هآرتس»، عند التحول الذي يشهده المجتمع الإسرائيلي الذي استبدل السؤال ذا الصيغة المستقبلية «ماذا سيحصل غداً؟» الذي شكل لعشرات السنين أحد أبرز مظاهر الهوية الاسرائيلية، بسؤال ذي صيغة تعبّر عن الماضي وهو «ماذا حصل لنا؟ وما لهذا الأمر من دلالات؟». وسألت جليلي «ماذا حصل للجيش، وماذا حصل للحكومة، وماذا حصل للجبهة الداخلية، ماذا حصل لدولة كاملة؟».
وتطرّقت جليلي إلى مشكلة الحركة الاحتجاجية، فاعتبرت أن «انعدام وجود فكرة جامعة هو في واقع الأمر المشكلة الحقيقية للاحتجاج الناشئ الآن، وليس انعدام الزعامة بقيمها، ولا حتى الخلاف على مسألة المطالبة بلجنة تحقيق رسمية فقط أو باستقالة الزعماء أيضاً كشرط مسبق. المشكلة الحقيقية هي انعدام القدرة على الاتفاق على طبيعة الدولة التي يريدون العيش فيها بعد الإصلاح في أعقاب اللجان والاستقالات».
وأضافت جليلي أنه ربما «بسبب هذه الصعوبة في الاتفاق على الطبيعة المستقبلية للدولة، فإن كل الأحاديث التي تنشأ في نطاق الاحتجاج تتجاهل المستقبل وتُعنى بالماضي. فليسوا عن التهديد الإيراني أو عن الفرصة السورية يتحدثون هناك، بل يستعيدون التاريخ من بن غوريون حتى شارون. في اسرائيل 2006، من الأسهل إعادة ترتيب الماضي من التخطيط للمستقبل. يوجد شيء مأساوي في الوضع الذي علق فيه الاحتجاج. فبعد حرب يوم الغفران، كان لدى المحتجين بديل سلطوي ناضج، لم يُجرّب من قبل. أما الوضع فمغاير الآن. لكن حتى لو لم تكن هذه هي النية، فإن الاحتجاج يصبح احتجاجاً برتقالياً».
غير أن المعلّق السياسي في «هآرتس» جدعون سامت يعلّق الكثير من الآمال على الحركة الاحتجاجية التي اعتبرها الشيء الجيد الوحيد الذي حصل في السنين الأخيرة، شاكراً للحرب التي أوجدتها. ويرى سامت أن «السبب الحقيقي للعصيان الذي ينشأ الآن ليس الحرب. هي مجرد ذريعة، فالحركة التي بدأت بعشرين مشاركاً في مسيرة الى القدس لا تزال تعاني مخاض الولادة. فإذا ما خنقها حبلها السُرّي، فلن يكون هناك احتجاج لسنوات طويلة أخرى».