على بُعد مئات الأمتار من القاعدة الجوية الإسرائيلية في تل أبيب، تجمع حشد من الضباط يراقبون مسار اليوم الأول من الحرب على حزب الله.إنه الثاني عشر من شهر تموز، والطائرات الإسرائيلية على وشك مهاجمة المركز العصبي لحزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية.
من بين هؤلاء الضباط، الذين كانوا يدخنون بعصبية واضحة، اللواء دان حالتوس (58 عاماً)، الطيار الجريء الذي شارك في حرب عام 1973، وهو يواجه اليوم أهم اختبار في حياته العسكرية.
قبل منتصف الليل، صدر الأمر لطائرات الـ «أف 15 أي» بإطلاق النار واستهداف صواريخ «زلزال» الإيرانية الصنع.
في غضون لحظات، فُجرت أولى منصات صواريخ حزب الله.
وبعد 39 دقيقة عصيبة، سُمع صوت قائد سرب الطائرات الحربية: «دمرنا 54 منصة صواريخ. لنعد إلى القاعدة».
ابتسم حالوتس. اتصل بمنزل رئيس الوزراء إيهود أولمرت عبر الخط الأحمر، مبشراً ومفتخراً: «دمرنا جميع الصواريخ البعيدة المدى»، وأضاف أربع كلمات: «لقد ربحنا هذه الحرب».
في هذا الوقت، كان 12جندياً من وحدة الاستطلاع «ماجلان» يركضون للهروب من كمين وقعوا فيه داخل قرية مارون الراس قرب الحدود.
قال أحد الجنود: «لم نعرف ماذا اصابنا. خلال ثوان، مات اثنان من مجموعتنا».
ومع سقوط عدد من الجرحى، اضطُرت «ماجلان»، التي تُعد من وحدات النخبة في الجيش الاسرائيلي، الى الانسحاب تحت النار، مذهولة بقوة حزب الله.
يقول جندي آخر: «من الواضح أن مقاتلي حزب الله لم يسمعوا قط بأن على الجندي العربي الفرار عندما يواجه الإسرائيليين». يضيف: «لقد كنا نتوقع أن نلقى خيمة وثلاثة رشاشات كلاشينكوف. هذا ما أخبرتنا به الاستخبارات. ولكن بدلاً من ذلك، وجدنا أنفسنا أمام باب فولاذي يقود إلى شبكات من الأنفاق المجهزة جيداً».
لم يستطع قائد المنطقة الشمالية أودي آدم تصديق أن أفضل جنوده وقعوا بسهولة في كمين، كذلك كانت حال حالوتس الذي تساءل: «ما هو خطب ماجلان؟».
أجاب آدم: «إنهم محاصرون»، قبل أن يضيف: «عليّ إرسال المزيد من القوات».
وبينما كانت فرقة «ايغوز» تتحضر لإنقاذ «ماجلان» في مارون الراس، كان عدد آخر من الجنود يسقط في كمين ثانٍ.
أما مقاتلو حزب الله فعادوا إلى الأنفاق في انتظار الجولة الثانية.
قررت القيادة الإسرائيلية تدمير بنت جبيل، معقل حزب الله ، بسبب رمزيتها.
في هذه القرية، ألقى حسن نصر الله خطابه الشهير عام 2000، معلناً انتهاء 18 عاماً من الاحتلال.
أصدر حالوتس الأمر لآدم: «اغزوا بنت جبيل».
فأجاب الأخير: «تمهل حالوتس. هل تعرف ماذا يعني ذلك؟ هل تعلم بأن الكسبة (السوق القديمة) في بنت جبيل تضم وحدها خمسة آلاف منزل؟ وتريدني أن أرسل كتيبة واحدة فقط؟».
في النهاية، نفذ آدم مطلب رئيسه، وأرسل كتيبة من لواء غولاني إلى مهمة مستحيلة. بات واضحاً للجميع في تل ابيب أن المعركة ستكون أصعب بكثير مما توقع حالوتس، الذي كشفت الحرب سمعته وأنزلتها إلى الحضيض، ومعها سمعة الجيش الذي لا يُقهر.
في الأسبوع الماضي، اعترف حالوتس، في رسالة مؤثرة إلى جنوده، بـ «الأخطاء التي سيعمل على إصلاحها».
من غير الواضح إذا كان حالوتس سيبقى أصلاً في منصبه كي يُصلح هذه الاخطاء.
(عن الـ «صنداي تايمز»)