strong>يبقى حزب الله وأمينه العام الشغل الشاغل للمستويات الإسرائيلية كافة، السياسيون ينكبّون على قراءة خطواته السياسية المستقبلية، والعسكريون على تقدير قوته العسكرية، الظاهر منها والباطن.
مهدي السيد

شكلت المقابلة التلفزيونية مع السيد حسن نصر الله فرصة للمعلقين الإسرائيليين للإطلالة على طبيعة المرحلة المقبلة من ناحية حزب الله والتعرف أكثر إلى آخر الانطباعات التي تكونت لديه بعد انتهاء العدوان.
وكانت لافتة إشارة كل المعلقين الإسرائيليين في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، ممن تطرقوا إلى كلام نصر الله، إلى تشديده على أنه ما كان ليُقدم على تنفيذ عملية الأسر لو كان يتوقع حصول رد إسرائيلي بهذه القسوة، متجاهلين إشارته إلى أن العدوان يأتي في سياق أوسع.
وجاء في العنوان الرئيسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»: «نصر الله يستخلص العبر: إني أخطأت». وكان العنوان الداخلي للصفحة: «نصر الله نادم». أما صحيفة «معاريف»، فقد كانت أكثر «اندفاعاً» وجاء في عنوانها الرئيسي: «الاختطاف كان خطأً: نصر الله، خطاب الندم».
وقال محلل الشؤون العربية في «هآرتس»، تسفير برئل، إن نصر الله "تكلم بصوت هادئ ولطيف، عن الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه". غير أن برئل توقف بريبة أمام اعتراف نصر الله ليتساءل "عما إذا كان الأمر يتعلق فعلاً بخطأ ارتكبه حزب الله على صعيد التقدير، أم إن الأمر يتعلق بتقديم ذريعة بعد فوات الأوان عمّا حصل؟".
ويولي برئل أهمية كبيرة للإجابة عن هذا السؤال، لأنها تتعلق، برأيه، بالصلة التي تربط بين المبادرة إلى الحرب وبين سوريا وإيران. ويشرح برئل ذلك بالقول إنه إذا كان نصر الله أخطأ في التقدير، ولم ينو خوض الحرب، فهذا يعني أنه ليس هناك أي مكان للادعاء بـأنه أراد أن يوفر لإيران رافعة صاخبة لتخفيف الضغط الدولي عنها وعن سوريا.
أما الخبير في الشؤون السورية ـــ اللبنانية، ايال زيسر، فرأى من جهته، في «يديعوت أحرونوت»، أن «نصر الله يجري حساباً للنفس، وأن المقابلة التي أجراها لم تكن بمثابة إعلان الانتصار الحاد من النوع الذي اعتدنا سماعه منه في السنوات الماضية».
أضاف زيسر إنه "ومع ذلك، فإن نصر الله أقر بوضوح وصراحة بخطئه، فقد أخطأ في التقدير، واعترف بأنه لو كان يعرف أن إسرائيل سترد بمثل هذه القوة الفظيعة على عملية خطف الجنديين، لكان قد امتنع عن إعطاء الأمر بذلك. وقد استُلّت من داخل الساحة اللبنانية منذ وقت غير قصير سكاكين أولئك المعارضين له. ولكنها (المقابلة) في الوقت نفسه، تؤكد أن نصر الله لا يزال متأكداً من دعم الشيعة له. وبعد كل ذلك، فأي مناص أمام الفلاحين العائدين الى بيوتهم المهدمة إلا تأييد ذلك التنظيم؟ فهم لا يعلقون الآمال على الحكومة اللبنانية".
وفي تقديره لنتائج الحرب، رأى زيسر أن "نصر الله خرج موجوعاً منها، لكنه ليس مهزوماً. وبتعبير ما فإن حالته تشبه حالة رئيس الوزراء أولمرت في إسرائيل. الصورة الإجمالية له، أن حزب الله حافظ، رغم الضربة التي تلقاها، على قدرة ردعه في وجه إسرائيل وعلى قدرته على إطلاق الصواريخ التي لا تزال موجودة في يده".
بدوره، توقف رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً، عاموس غلبوع، في «معاريف»، عند القوة الباقية لدى حزب الله بعد الحرب وعند الخطر الحقيقي الذي يتربص بإسرائيل. وقال غلبوع إن "وضع حزب الله بعد ثلاثة أسابيع من وقف النار، وتوجهه، يمكن إجماله بالصورة التالية: يبدو أنه قد حافظ على جزء غير قليل من قدراته العسكرية، ومن جهة أخرى، بقي له نحو من ألف منصة إطلاق صواريخ قصيرة المدى (حتى 30 ــــ 40 كيلومتراً) في جنوب لبنان، مع آلاف الصواريخ. بقيت قيادته كاملة تقريباً. يدرس مع الإيرانيين الآن العبر، ويهدف الى إعادة بناء نظام الصواريخ الثقيلة الذي أُصيب".
يضيف غلبوع إن حزب الله "مفعم بالشعور بالنصر» لكن "المشكلة الشديدة التي يواجهها وسيواجهها هي الأضرار الاقتصادية الباهظة، التي تحمّلها الحزب والسكان الشيعة، في بيروت وفي جنوب لبنان. والآن، مكانة نصر الله في الطائفة الشيعية متينة، وكذلك في داخل حزب الله هناك توحّد حوله. لكن السؤال هو الى متى سيستطيع الاستمرار في الاختباء وعدم الظهور في الملأ".
ويخلص غلبوع إلى أن "اتفاق وقف النار ليس هشاً جداً كما اعتاد كثيرون عندنا تسميته، وتجدد إطلاق النار في الأشهر القريبة، كما تُكثر الدوائر العسكرية التنبؤ، ليس الأكثر معقولية، لكن الأخطار الحقيقية ليست هناك. إنها في الشرق،قد تكون سوريا مُقدِمة الخطر الحقيقي الوجودي، الذي يجب أن يُجند كل جهدنا الوطني لمواجهته ــــ ألا وهو ايران".