محمد بدير
هُزمت إسرائيل في حربها الثانية على لبنان. يقول البعض إنها فشلت. المهم أنها لم تنتصر. وبما أنها كانت المعتدي، الذي بادر إلى حرب أعلن أهدافاً لها عجز لاحقاً عن تحقيقها، يمكن القول إن عدم الانتصار الإسرائيلي هو في المقلب السلبي للصورة، انتصار للبنان ومقاومته. معروف أن هذه ليست المرة الأولى التي ينتصر فيها لبنان على إسرائيل. الانتصار الحالي هو تكريس لسابقة سُجّلت عام ألفين، ولم يكن حينها من «ساجل» في واقعة النصر اللبناني والهزيمة الإسرائيلية.
ثمّة نصران حققهما إذاً لبنان على إسرائيل. لكن ثمة فروقات بين النصرين على صعد مختلفة: سياق الحرب، ونوعها، وآليات المواجهة، وطبيعتها، والظرف السياسي الداخلي، والتداعيات، رغم عدم تكشف تداعيات النصر الأخير بعد، وهي حتماً مرتقبة.
في عام ألفين، كانت هزيمة الجيش الإسرئيلي بالاستنزاف البشري المتراكم الطويل الأمد. في عام 2006 كانت الهزيمة بالصدام المباشر والحدّي. في عام ألفين، بدأت إرهاصات الهزيمة من المجتمع الإسرائيلي، الذي وصل إلى مرحلة لم يعد يحتمل فيها تكلفة الاحتلال، فضغط على الحكومة والجيش للانسحاب، رغم معارضة الأخير حتى اللحظة الأخيرة. في عام 2006، تحققت هزيمة الجيش مباشرة في مواجهة مفتوحة استخدم فيها كل آلته العسكرية، بأكمل وجوه حداثتها وطاقتها النارية. هذا رغم حالة من التجند والتحشد الداخلي وراء الجيش، إعلامياً ومجتمعياً وسياسياً، لا يذكر المراقبون نظيراً لها في الماضي الإسرائيلي القريب والمتوسط.
لقد حصل الجيش الإسرائيلي على دعم منقطع النظير في حربٍ استخدم فيها، بحسب معلق إسرائيلي، كمية من النيران فاقت ما استخدم في حرب عام 1973، أمام دول عربية مجتمعة. «كيف يُعقل أن تصمد قوة عسكرية أمام مئة وثلاثين ألف قذيفة»، تساءل أحد الجنود الإسرائيليين المحتجّين على هزيمة الجيش. الأمانة تقضي بأن ندقّق الرقم المذكور عبر الإشارة إلى أنه يعنى بعدد القذائف المدفعية فقط، ولا يشمل نحو 15 ألف صاروخ جو أرض ألقتها الطائرات، (ربعها زنة الواحد منها طن)، ونحو ثلاثة آلاف قذيفة أطلقتها البوارج الإسرائيلية.
سرّب الإعلام الإسرائيلي خلال الحرب، أن إيهود أولمرت قال، في معرض رده على انتقادات وُجهت إليه بسبب قيود يفرضها على أداء الجيش في الحرب: «وقحون (أي جنرالات الجيش). لم يطرحوا أية خطة علي، لم أعطهم الموافقة عليها». الشاهد أن الجيش الإسرائيلي كان طليقاً في الحرب من أي قيد. رغم ذلك، لم يقدر على إلحاق الهزيمة بالمقاومة، التي صمدت أمامه 33 يوماً. بل حوّلت فخر صناعاته الحربية البرية، دبابة الميركافا، إلى تابوت متنقل لجنوده، الذين انقلب دورهم في المعارك ليصبحوا حماة لها، بدل أن يحتموا بها. إذا كان الجيش الإسرائيلي قادراً على التذرع بعد هزيمة عام ألفين، بأن «جبهتة الداخلية» دفعته إلى الانسحاب من لبنان عنوة، فإن الحرب الأخيرة حرمته هذه الذريعة. هزيمة عام 2006 هي هزيمة لحقت بالجيش الإسرائيلي في مواجهة مفتوحة. وبناء على هذه الحقيقة، يمكن أن نترقب تداعيات مختلفة، ليس أقلها في طبيعة النظرة إلى إمكان هزيمة إسرائيل وتهشيم ما بقي من قدرتها الردعية.