مهدي السيد
تشهد الساحة الإسرائيلية سجالاً حامي الوطيس على خلفية تحديد النتيجة التي تمخّض عنها العدوان الإسرائيلي على لبنان، لجهة تحديد هوية المنتصر والمهزوم من بين طرفي الحرب، حزب الله وإسرائيل. واللافت أن هذا السجال يطال شرائح المجتمع كافة، وتتداخل فيه الاعتبارات الشخصية والسياسية والنفعية والإيديولوجية، فضلاً عن الجوانب النفسية.
يستطيع كل مراقب للوضع الإسرائيلي ملاحظة أن الانطباع السائد بشكل عام لدى الرأي العام والإعلام والسياسيين في إسرائيل، يميل بوضوح لجهة عدم الاعتقاد بتحقيق النصر على حزب الله، ناهيك عن اعتقاد شريحة واسعة بهزيمة إسرائيل وانتصار حزب الله، وذلك على خلفية المقارنة بين الأهداف التي حددها المستويان العسكري والسياسي للحرب عند بدئها، وبين النتائج التي تمخضت عنها عند انتهائها.
في جردة حساب سريعة نرى أن العدوان على لبنان أدى إلى تغيير جدولة أولويات الميزاينة العامة في إسرائيل وإثارة مشاكل كبيرة في هذا المجال تهدد بفرط عقد الائتلاف الحكومي، تغيير جدول الأعمال السياسي لحكومة أولمرت وسقوط البرنامج السياسي للحكومة عموماً ولحزب كاديما خصوصاً، والمتمثل في خطة الانطواء، مع ما لهذا الأمر من تداعيات سياسية على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية بشكل خاص، واستبدال أولوية تنفيذ الانطواء بأولوية إعادة ترميم الشمال في ضوء الخسائر والأضرار التي لحقت به جراء الحرب، وهذا بحد ذاته إقرار إسرائيلي بفشل العدوان، سقوط الأجندة الاجتماعية للدولة ولا سيما تلك التي حملها حزب العمل، وبالتالي تضرر مصداقية الحكومة وحزب العمل وشعبيتهما، بروز حركات احتجاج تطالب باستقالة المسؤولين العسكريين والسياسيين عن الفشل، واهتزاز ثقة الرأي العام الإسرائيلي بهؤلاء القادة وهو ما أظهرته جلياً آخر استطلاعات الرأي، اتساع المطالبة بضرورة تأليف لجان تحقيق واضطرار أولمرت إلى اللجوء إلى هذه الخطوة وإن بشكل منقوص، الخسائر المادية للحرب التي بلغت وفق آخر التقديرات الإسرائيلية نحو أربعة مليارات دولار.
قائمة الإخفاقات والخسائر الإسرائيلية تطول وتطول، والشواهد الإسرائيلية على فشل إسرائيل في تحقيق أهداف العدوان أطول. بيد أن ما يثير الاستغراب المفهوم هو إصرار أولمرت على حديثه المتغطرس عن الانتصار، رغم إقراره العلني قبل يومين في حيفا بعكس ذلك عندما قال ما حرفيته :"لم أنجح في وقف نار الكاتيوشا على إسرائيل. ولم يكن لنا، مثلما ليس لأحد آخر، حل لذلك. والأهم من كل شيء هو أننا لم ننجح في إعادة الأبناء الى البيت". ولمن يذكر، فإن هاتين المسألتين كانتا الهدفين الأساسيين للعدوان على لبنان.
إن إقرار أولمرت بعدم تحقيق أهداف العدوان وإصراره في الوقت ذاته على انتصاره يُذكرنا بالمثل اللبناني المعروف والذي يصف حال من انكشف كذبه "الفيل يطير لكنه لا يرتفع كثيراً".