دمشق | «كنا نروج لمنتجات تتعلق بالحياة، واليوم نبيع ما قد ينجينا من الموت»، كلمات وائل، مندوب المبيعات، وإن بدت مقتضبة، إلا أنها اختصرت حال السوق الذي شرّع أبوابه لمنتجات جديدة، تتناسب واحتياجات الحرب المستعرة في البلاد، بعدما غرق لسنين طوال في ترويج سلع استهلاكية رخيصة. يقول وائل للزبون: «احم نفسك من الانفجارات وشظايا القذائف والأعيرة النارية، بجلاتين وزجاج الحماية»، معلناً بذلك تغييراً جوهرياً في الخريطة الإعلانية السورية.
ويؤكد توافر سوق خصبة من الزبائن «الباحثين عن الأمان وسط زحمة القذائف والانفجارات». وفي إجابته عما إذا كانوا يعتاشون على الخطر، وإن كان ارتفاع منسوب الرعب ينعش مهنتهم؟ يقول: «الإجابة مرّة، سأقولها بصراحة، نعم». ويعترف بأنهم يحصون يومياً عدد قذائف الهاون التي تسقط على أحياء العاصمة السورية، دمشق، بغية استخدامها رقماً تحفيزياً، في قائمة الإقناع التي تطول. يتحوّل بعدها وائل الى اللغة العامية، ويخلع قميص المندوب متنهداً: «الله يحمي هالبلد، ويرجع الأمان».

مهنة الحرب

المنتجات التي يحملها وائل في حقيبته، هي جزء من مشروع كبير، يتيم، في هذا المجال، يعود لمواطنه المهندس محمد عبد الواحد، وهو المختص، سابقاً، بتجهيز المعارض والديكورات. يقول الأخير، في تصريح لـ«الأخبار»: «إن الأزمة فرضت سوقها أيضاً، والتاجر الذكي هو من يسعى دائماً إلى إرضاء عملائه بخدمات سباقة، كالتي تقدمها شركتنا للحماية من الانفجارات، وشظايا القذائف، والأعيرة النارية، إذ إنه، عند انفجار قنبلة، يمكن لمتر مربع من الزجاج أن يولّد ما يقارب 1800 جزء حاد كالشفرة، وهذه الشظايا المتطايرة تسبّب المزيد من الضرر والإصابة والوفاة». ويستمرّ عبد الواحد في عرض أهمية المنتج الذي يسوقه، متحدّثاً عن فعالية الجيلاتين، المصنوع من ألياف الكريستال. إذ أظهرت الدراسات أنه في حال وقوع انفجار، فإن عدداً كبيراً من الإصابات تحدث بسبب الزجاج المتطاير، وليس نتيجة الانفجار الفعلي، وإذا ما تمّ حذف الزجاج المتطاير من معادلة الانفجار، فإن الإصابات تكون محدودة، ضمن منطقة محلية، وبالتالي فإن أفلام الحماية الحديدية تساهم في تماسك الزجاج وعدم تشظيه، ما يساعد على تخفيف الأضرار البشرية، والمادية: «لكون الفيلم يعمل كطبقة عازلة بين الزجاج والأدوات الحادة، وهو الذي يتألف من عدة طبقات، ويأتي بسماكات مختلفة، من 2 سم حتى 10 سم، ما جعل المنتج رائجاً بين العملاء».
والعملاء هنا هم أصحاب شركات التأمين والبنوك والشركات الضخمة، كما يصفها عبد الواحد. «نبرم الصفقات، ويحصلون على الحماية، الأمر الذي اختبروه بالفعل عند سقوط قذيفة، أو حصول انفجار، ما يجعلهم يتهافتون على توقيع العقود معنا»، يقول. وهو ما يؤكده القيّمون على أحد البنوك القريبة من ساحة العباسيين، والتي طالما كانت عرضة لقذائف الهاون، ما جعلهم يستعينون بجيلاتين الحماية، لتأتي النتائج أقل ضرراً. ولكن ماذا عن المواطن العادي؟ في إجابة عبد الواحد، لا تعويل يذكر على المواطن لسببين، أولهما يتعلق بالأولويات، رغيف الخبز واللهاث خلفه، وثانيهما: الجهل بنوعية المنتج، ما يجعله عرضة للغش والتدليس.

«غش الحلبوني»

الحلبوني، الحيّ الواقع وسط العاصمة السورية، والشهير تجارياً ببيع المستلزمات المدرسية والمكتبية، منذ أكثر من ثلاثين سنة، والمحتضن للعديد من المباني التاريخية وذات الطراز العثماني أيضاً، هو المتهم الأول، بنظر عبد الواحد، اذ تبيع، معظم محاله، ورق تجليد الدفاتر على أنه ورق حماية، مقابل سعر زهيد، 100 ليرة سورية (أقل من نصف دولار) للمتر الواحد، ما جعل عبد الواحد يخوض مشاجرة كلامية مع من سماهم «تجّار السوق السوداء».

تهريب

مهما تكن حال السوق، فإنّ المفارقة تكمن في أن المنتج الأميركي هو الأكثر جودة وفعالية، في هذا المجال، وقد تفوّق على الفرنسي والكوري والصيني، مثبتاً قدرته الفائقة على مقاومة القذائف وشظاياها، ما جعله المنتج المعتمد، وفقاً للباعة، ليطرح الكثير من التساؤلات عن كيفية دخول المنتج الأميركي إلى البلاد، في ظلّ حزمة عقوبات اقتصادية أميركية قديمة، مفروضة على سوريا، ازدادت لائحتها بعد اندلاع الحرب. يتحدّث عضو غرفة تجارة دمشق، بشار النوري، عن تلك العقوبات، والتي استثنيت منها المواد الغذائية والأدوية، ليؤكد أنه حتى الأخيرة تدخل البلاد بصعوبة كبيرة، مع عقوبات صارمة، تفرضها الحكومة الأميركية على شركاتها في حال المخالفة، تبلغ قرابة المليون دولار، «ما يجعل تهريب البضائع أحد الحلول التي يعتمدها بعض التجار، أو شحن البضائع ذات المنشأ الأميركي إلى كلّ من دبي ولبنان، ومن ثمّ إصدار فواتير جديدة، وتغيير شهادة بلد المنشأ، لتصبح البضاعة صينية، أو ما شابه، ومن ثمّ إعادة شحنها إلى السوق السورية». وبعيداً عن كيفية دخول تلك البضائع، يقول أحد المعلقين على إعلان مروّج لمثل هذه المنتجات في صفحة «يوميات قذيفة هاون في دمشق»، على موقع «فيسبوك»: هي فرصة لأميركا حتى تصرّف منتجاتها في السوق السورية، بعدما أشعلت الحرب مع عملائها. فهل هي سخرية السياسة مجدداً؟!