بعد معاناته التي دامت أشهراً في إجراءات تجديد جواز السفر الفلسطيني، اكتشفنا جميعاً أن «سفارة الدولة العضو» في ألمانيا ليست أكثر من «مبنى جميل» تحرسه الشرطة الألمانية، فيما تجلس السفيرة خلود دعيبس في الغربة وحيدة دون سبب كافٍ لوجودها. قد يبدو هذا الحديث تجنياً، لكن الواقع يؤكد أن السفارة الفلسطينية هنا لا «تبلّ الريق»، ولا تنجز أياً من المهمات التي تقع على عاتق السفارات الأخرى، كتجديد جوازات السفر، أو إصدار وثائق ثبوتية للمواليد الجدد. أسهل مهمة يمكن إنجازها لديهم هي طباعة الختم على ورقة الكفالة التي نقدمها إلى شخص مقيم في فلسطين ليقوم بالإجراءات نيابة عنا، ومقابل هذا الختم ندفع رسوماً بقيمة 30 يورو، أو 20، كذلك فإن السفارة غير مسؤولة عن توصيل هذا الكفالة إلى فلسطين.سألني صديق عمّا إذا كنت أرغب في مرافقته إلى السفارة في العاصمة. سألته مستنكراً: «ماذا يمكن أن تفعل هناك؟». أجاب بأن هناك ندوة مفتوحة تعقدها دعيبس وتستضيف فيها «كبير المفاوضين الفلسطينيين» صائب عريقات، الذي سيلقي كلمة، ثم سيفتح المجال لمن لديه أسئلة أو استفسارات. حاولت أن أقنعه بأني أتنازل عن سماع الكلمة القيّمة، وأن أسئلتي مجابة ولا تحتاج حتى إلى أن تطرح. لكنه استطاع إقناعي عندما أكد أنهم يقدمون إلى الحضور قهوة عربية.
استمعنا إلى خطاب عريقات، الذي اتخذ من القاعة منبراً للحديث باسم «منظمة التحرير»، أو بالأحرى حركة «فتح»، كذلك لم ينس إلقاء اللوم على «حماس» وتأكيد أنها السبب وراء تأخير المصالحة واستمرار الانقسام. والأهم أنه شدد على أهمية المفاوضات والمقاومة السلمية، والاعتراض «الفلسطيني» على العمل المسلح. هنا تحديداً علّق صديقي قائلاً: «أعتقد أن مصادر معلوماته ماكلة هوا».
وبعدما أكد عريقات تصميم السلطة على الحصول على اعتراف دولي بوجود فلسطين على الخريطة، قاطعه أحد الحضور: «عفواً دكتور، انت بتحكي عن فلسطين تبعتنا ولا تبعتكو؟!». ابتسم الرجل وواصل كلمته ثم أعطى المجال لأصحاب الأسئلة التي نزلت عليه كالصواريخ، ولم تقلّ حدة أو سخرية عن السؤال الأول. اللطيف أن السفيرة دعيبس وجدت عملاً لها، فتدخلت مضطرة لإنهاء الجلسة، لأن «عريقات متعب ولم يتناول منذ الصباح إلا ساندويشة جبنة».
بعدما خرجنا، اضطر صديقي إلى أن يدعوني إلى شرب القهوة في مطعم عربي قريب، لأنهم لم يقدموها لنا كما وعدوا. يبدو أنها كانت ترويجاً ناجحاً لضمان حضور المغتربين، الذين يشتاقون لرائحة بلادهم، إلى سفارة لا تعني لهم شيئاً.

* مغترب فلسطيني في ألمانيا