بعد تبادل الرسائل النارية بين المقاومة الفلسطينية وجيش العدو الإسرائيلي، في المناطق الحدودية لقطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ارتفع منسوب القلق الإسرائيلي من إمكانية تدحرج تبادل القصف المدفعي، المحصور حالياً على الحدود، إلى مواجهة عسكرية شاملة قد تصل آثارها إلى تل أبيب. لكن برغم توتر الأوضاع، يكاد يجمع أغلب المحللين في إسرائيل على أن «حركة المقاومة الإسلامية ــــ حماس» لا ترغب في خوض أي مواجهة عسكرية، لكنهم في الوقت نفسه، يقرّون بصعوبة الواقع الاقتصادي الذي قد يدفع القيادات العسكرية في غزة نحو خيارات لم يكونوا يريدونها في الأساس، فيما يرى آخرون أن خلفيات جولة التصعيد هذه مرتبطة بإدراك «حماس» أن إسرائيل عثرت على حل تقني لسلاح الأنفاق.
حتى الآن، لم تتجاوز التقديرات الإسرائيلية لعمليات إطلاق النار التي تعرضت لها قوات الجيش بالقرب من القطاع، لكونها رسائل تحذيرية ضدها. وتأتي هذه الرسائل العملانية بعد رسائل سابقة وجهتها «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، (الذراع العسكرية لـ«حماس»)، تحت شعار «أما رفع الحصار أو الانفجار». في تلك اللحظة، لم تُبدِ إسرائيل اهتماماً كبيراً بالموقف، أما بعد عمليات إطلاق النار والقصف الصاروخي لمواقع العدو العسكرية، فبات التقدير في تل أبيب مختلفاً.
في هذه الأجواء، قدرت جهات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن «حماس»، للمرة الأولى منذ حرب صيف ٢٠١٤، هي من نفذت عمليات إطلاق النار ضد آليات العدو، وسمحت لجهات أخرى أيضاً فعل ذلك.
وتهدف هذه المحاولات، في رأي المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إلى تغيير قواعد اللعبة وإنتاج تفاهمات جديدة، يمنع بموجبها العدو من الاستمرار في البحث عن الأنفاق على طول الحدود مع القطاع. فقد «أبلغت كتائب القسام وسرايا القدس (الذراع العسكرية لـ«حركة الجهاد الإسلامي») عناصرها، باستهداف أي آلية هندسية إسرائيلية تقترب من الحدود مع القطاع»، وفق ما تقوله مصادر في المقاومة الفلسطينية في غزة لـ«الأخبار».
تضيف تلك المصادر أن «المقاومة قررت التصعيد في حال استمرار العدو بخرق الحدود، والتدريبات التي أجرتها سرايا القدس أخيراً وتفجير عبوات بأحجام كبيرة ووصول دويّها إلى المستوطنات المحاذية للقطاع كان هدفه إمرار رسالة أن المقاومة مستعدة لأي مواجهة جديدة». أما عن جاهزية المقاومة لأي حرب جديدة، فأكد أحد قادة «حماس» أن «القسام أنهت بعد مرور عدة أشهر على انتهاء حرب ٢٠١٤ ترميم قدرتها الصاروخية، وأن «كل يوم مرّ على القطاع دون أي حرب، كانت المقاومة تزيد فيه مخزونها الصاروخي وتزداد قوة». وتابعت المصادر أن «بداية الحرب المقبلة ستشهد مفاجأة... كتائب القسام ستكون حرة اليدين ولن يقيّدها أي قرار سياسي كما جرى في عام ٢٠١٤».
التقديرات تراوح بين الكشف عن نفق وبين رسائل متبادلة

هذا التصور لبداية الحرب كان قد أعلنه مسؤول الساحة الفلسطينية في «شعبة الاستخبارات الإسرائيلية ــ أمان»، الذي قال إن «حماس قد تعمد إلى ضربة استباقية وقائية باستخدام الأنفاق الهجومية إذا تأكدت أن إسرائيل وجدت حلاً للأنفاق».
في هذا السياق، لفت ضباط في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى أن عدم سقوط إصابات خلال تبادل القصف في اليومين الماضيين لم يكن مصادفة، خصوصاً أن «حماس لم تكن تريد سوى توجيه رسائل». وأكدت مصادر في الجيش للقناة العاشرة، أن إسرائيل «غير معنية بالتصعيد في منطقة الجنوب، ولكنها لن توقف عمليات البحث عن الأنفاق»، وهو ما طالبت به «كتائب القسام» في بيانها أمس، الذي شرحت فيه أن «وحدات هندسية تابعة للعدو توغلت في محورين مختلفين... أمام ذلك، فإن كتائب الشهيد عز الدين القسام والمقاومة الفلسطينية ترى في هذا التوغل تجاوزاً واضحاً لاتفاق التهدئة عام 2014م وعدواناً جديداً على قطاع غزة، وهي لن تسمح باستمرار هذا العدوان، وعلى العدو ألّا يتذرع بأي سبب كان، وأن يغادر قطاع غزة فوراً، وأن يعالج مخاوفه ومخاوف مغتصبيه خارج الخط الزائل (الحدود)».
هذا الوضع المستجد لم يعد يسمح بمزيد من التجاهل للجبهة الجنوبية، ويُتوقع أن لا تتوقف هذه الرسائل عند ما جرى حتى الآن، كما عبّر معلق الشؤون العربية في القناة آفي يسخروف، على اعتبار أن الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها السكان في القطاع، عززت الأصوات التي تنادي داخل «حماس» وتحديداً «القسام»، لزيادة الضغط العسكري على العدو. ووفق التعبير الذي استخدمه معلق الشؤون العربية، هناك شعور لدى سكان غزة بأنهم قد وصلوا إلى «مرحلة اللاخيار».
كذلك ربط معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، بين ما عدّه توتراً على الحدود مع غزة، وبين الكشف عن نفق هجومي قبل أسبوعين، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الضاغط. وذكر هرئيل أن إسرائيل طورت حلاً تكنولوجياً للعثور على الأنفاق، وتستمر في أعمالها الهندسية الحثيثة على طول الحدود.
ويأتي هذا الحدي بعد استثمارات بلغت نحو 600 مليون شيكل، تهدف إلى تطوير تكنولوجيا كشف الأنفاق، بمساعدة أميركية بلغت 120 مليون دولار. ولفت هرئيل إلى أن «النجاح الإسرائيلي المحتمل في العثور على المزيد من الأنفاق يقلق حماس، لكونه يهدد الإنجاز المستقبلي ومعنوياتها القتالية». وقال إن هذا الأمر يقف وراء التهديدات التي أطلقتها الحركة ضد إسرائيل، سواء على لسان «كتائب القسام أو القيادة السياسية». لكنه عاد وختم بأن كل ذلك، لا يقود بالضرورة إلى مواجهة أخرى، لكنها قد ترفع منسوب الغضب لدى الطرفين.
في السياق نفسه، أعلن الجيش الإسرائيلي منطقة «ناحال عوز» القريبة من القطاع، منطقة عسكرية مغلقة. وحتى ذلك الوقت، لم توضح الجهات العسكرية في تل أبيب سبب هذا الإعلان، وهل يتعلق بحوادث إطلاق النار أو كشف نفق جديد في تلك المنطقة. كما طلب جيش العدو من سكان المستوطنة إبداء المزيد من الحذر، بالإضافة إلى أنه أخلى المدارس والمزارعين وطلب منهم الابتعاد عن المنطقة المحاذية.
في ضوء هذه المعطيات، يسود نوع من التخبط في إسرائيل، كما أكد موقع «واللا»، حول ما ينبغي فعله إزاء إمكانية التدحرج نحو مواجهة عسكرية. فإذا حاولت إسرائيل تخفيف الضغط عن القطاع ببناء ميناء بحري أو أي خطوات أخرى مشابهة، فإن ذلك سيعزز «حماس» وسيقوض مكانة السلطة، التي هي في الأصل ضعيفة. وإذا رفعت القيود عن دخول البضائع إلى غزة، فإن ذلك سيسمح بإدخال الإسمنت إلى القطاع، ما سيساعد الحركة في بناء قوتها العسكرية.