يخنق الدمع صوتي كثيراً يا شيرين؛ لا شيء ينفع في الكلام معكِ، أتذكّر قبل سنةٍ أو أكثر أنني قرأت كيف كنتِ تقاتلين بكل قوتك كي تعودي إلى العمل محامية، لكن المحكمة الصهيونية آنذاك أعدت لكِ منعاً خاصاً كي لا تستطيعي ممارسة المهنة التي درستها وتدربت كي تؤديها. كانوا يعرفون آنذاك يا شيرين أنكِ إذا ما دخلتِ إلى محكمة "صهيونية" فإنكِ ستتركين بصمتكِ هناك، لا بصفتكِ صاحبة الأرض فحسب، ولا بصفتكِ شقيقة الأسرى فحسب، بل بصفتكِ محامية قويةً قادرة، تعرف ماذا تريد قوله؛ تعرف آلام الأسرى وأوجاعهم؛ لذلك لم يكتفوا بسحب رخصة المحاماة منكِ شيرين، بل إنّهم "سجنوك". لماذا؟ لا أحد يعلم، كلها تهمٌ ملفقةٌ أنتِ تعرفين، وهم يعرفون، والكوكب بأكمله يعلم بأنها تهمٌ ملفقة، سيقولون إنكِ "تتعاملين" مع منظماتٍ سرية، سيقولون إنكِ تخالفين القانون، سيقولون إنه يجب وضعكِ في العزل، سيقولون إنه يجب "سجنكِ إدارياً"، كل هذا فقط لأن امرأة واحدة أخافتِ الكيان بأكمله. قبل أيام قرأتُ رسالتكِ الحميمة والخاصة جداً، التي أرسلتِها من سجنك، وتحديداً من زنزانتك الفردية في سجن الرملة، وقتها كتبتِ أنكِ تكتبين بعد اعتداء السجانين عليكِ، ذلك أنكِ رفضتِ مع مجموعةٍ من الأسيرات أن تحتفلن بيوم نكبة الشعب الفلسطيني، يوم إعلان دولة العدو الصهيوني.

كتبتِ وقلتِ: "جلست في زنزانتي وأنا أتأمل بقع الدم النازفة من رأسي ووجهي ويدي، وهي تزين الجلباب الذي أرتديه، وأنا أفكر ماذا علي أن أفعل كي أفضح قمعهم ووحشيتهم وبطشهم". كان دمكِ يسيل على ثيابكِ وعلى ثيابي وثياب المئات، بل الآلاف مثلي، لا تشعري يا شيرين بأننا لا نشعر بألمك، لا تشعري بأننا لا نعرف ماذا يصيبكِ. راقبت كيف أن كلامكِ كان كله تحدياً وقوة، راقبت أنكِ لم تضعفي، راقبت كيف حييتِ كل قوى المقاومة الحية التي لا يزال في عروقها نبض المقاومة، كل هذا كنت أقرأه في رسالة من أسيرة يعتقد السجّان أنه يستطيع كسرها. يا شيرين لا يستطيعون ذلك، فإذا ما كانت "روحكِ" هي السلاح، فكيف يمكن كسركِ؟ كيف يمكن أن تهزم امرأة واحدة يعيشها شعبها بأكمله في قلبها؟ قد يرى كثيرون أن هذا الكلام مجرد كلام إنشائي، كلامٌ مقصود من خلفه شد أزرك، لكنني أرفض هذا التقويم والتصنيف على نحو قاطع، إنكِ منا شيرين، وإنا منكِ، تبدأين الطريق، ونكمله، ترفعين اللواء ونحمله عنكِ. أعرف أنني بعيدة، وأعرف أنني لا أقاسي ما تمرين به الآن، لكنني مع كل هذا لا أحس إلا أنني جزءٌ وشريكةٌ في كل هذا، فأنتِ منا كما قلت، ونحنُ منكِ.
أرسل إليكِ هذه الرسالة المفتوحة عبر الصحيفة التي أكتب فيها، وأنا أعلم أن كلماتي هي لسان حال كثيرات وكثيرين، لسان حال الجميع حين نقول إنكِ تمثلينا، كل لحظةٍ في ذلك القيد، أنتِ تحملين عنا عبء تلك الزنزانة، كل نقطة دمٍ وألم أنتِ تحملينها عنا، أنت يا شيرين تحملين صليب آلامنا وتسيرين به.
لا أعلم ماذا أستطيع القول أكثر، وكيف أستطيع قوله، يشق علي – وأنا البعيدة عن فلسطين- العائدة إليها دوما إلا أن أقول: شكراً شيرين، إن صمودكِ يرفع رأسنا دائماً، ويجعلنا واثقين بأنه طالما أن هناك مقاوماتٍ مثلكِ، فإن فلسطين بخير وهي ليست ببعيدة أبداً، أبداً.
http://paltoday.ps/ar/post/238419/رسالة-من-الأسيرة-شيرين-العيساوي