لم يكن عادياً أن تقف السيدة إقبال ابراهيم زوجة العميد الشهيد عبدو تلاوي، الذي استشهد بطريقة وحشية، في بداية أحداث حمص، أمام عشرات النساء السوريات من الداخل والخارج، تحت مظلة الأمم المتحدة، خلال مؤتمر «سوريات صانعات السلام»، لتحكي وجعها. حلقة فريدة من العجائب السورية أن تُبكي المرأة جميع من يجلس في القاعة من مواليات ومعارضات وموظفين أمميين مهتمين في خلق فرصة لتمكين النساء من تحقيق ما يعجز عنه الرجال، وهو الاتفاق على تسوية سياسية تضع حداً للحرب. وعلى الرغم من أن العقبات التي تقف في وجه رجال السياسة، ليست ذاتية، بقدر ما تتمثل بتحالفات دولية وأوراق تفاوضية تخص دولاً كبرى، غير أن النساء حاولن خلال أيام المؤتمر الثلاثة أن يثبتن بالكلام أن «المرأة قادرة على صناعة السلام».

حلقات طويلة من الشحن العاطفي تخللت المؤتمر، فمداخلة زوجة العميد تلاوي حملت في طياتها أوجاع الزوجة المنكوبة وحسرة الأم الثكلى، وهو ما لامس معظم النساء المشاركات باعتبارهن معنيات بالهم السوري ومتورطات في أحزان البلاد، ما حوّل المشهد إلى تبادل للمواجع والتجارب ودموع خيّمت على أجواء الجلسات، في مشهد نسائي معتاد.

والدة الطالب خضر

خازم أعلنت مسامحتها لمن قتل ابنها
المؤتمر الذي انعقد في فندق هيلتون ضم 120 امرأة سورية فاعلة، بينهن ممثلات عن المجلس الاستشاري النسائي الذي تم إنشاؤه في شباط الفائت، مكوناً من 12 سيدة من أطياف مختلفة، لدعم مهمة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، فضلاً عن ممثلات لمبادرة «النساء السوريات من أجل السلام والديموقراطية»، إضافة إلى ناشطات مستقلات ورئيسات لجمعيات إغاثية وإنسانية. دي مستورا المعني بالمؤتمر وإنجاحه، كونه الأضخم الذي تحشده الأمم المتحدة لإيجاد تمثيل حقيقي على الأرض من المؤيدات والمعارضات والمستقلات، شارك في الجلسة الافتتاحية عبر شاشة عرض عملاقة، علّق الآمال على النساء المجتمعات في إمكان إيجاد بيئة لعملية السلام في سوريا. واستمع المبعوث الأممي إلى مداخلات المشاركات وأسئلتهن ومطالبهن المتمثلة بعدم تقييد جهود الحركة النسوية الساعية إلى السلام وتمكين المرأة من التأثير الإيجابي بمفاوضات جنيف فقط، بل إمكان استمرارها دائماً. كما رفعت بعض المشاركات الصوت أمام المبعوث الأممي، مطالبة بوقف الحصار الاقتصادي على الشعب السوري، ولا سيما في ما يخص الغذاء والدواء. وفي حين رفعت بعض الناشطات أيديهن للمطالبة برفع حصار السلطات السورية لبعض مناطق النزاع كداريا والزبداني، فقد وقفت ناشطات أخريات للمطالبة باستخدام عينين اثنتين عند أخذ المواقف الإنسانية. في مقابل ذلك، عرضت السيدة فدوى محمود، والدة المعارض المغيّب ماهر طحان، مأساتها المتمثلة بمصير ولدها المجهول. أمرٌ تتشاركه مع زوجة زميله في الغياب عضو هيئة التنسيق المعارضة الدكتور عبد العزيز الخير، المشاركة في المؤتمر. في حين قدمت الدكتورة إنصاف حمد، والدة الطالب الشهيد خضر خازم، الذي اغتيل على يد زميله في جامعة دمشق في مشهد هز الرأي العام قبل أربع سنوات، مداخلة مؤثرة أعلنت خلالها مسامحتها لمن قتل ابنها. المسامحة ذاتها عرضتها لاحقاً زوجة المعارض المعتقل باسل خرطبيل الصفدي، التي أعلنت مسامحتها من قتل زوجها في السجون، وذلك من أجل سوريا. وتضمن المؤتمر ورشات عمل اعتمدت تقسيم المشاركات إلى مجموعات، عملت في ما بينها على إيجاد آليات للعمل المشترك في سبيل تحقيق السلام، على الرغم من التباين السياسي في المواقف. وانتهى الأمر في صياغة بيان مشترك أعلن عن وحدة المشاركات من أجل السلام على الرغم من خلافاتهن السياسية. واختتمت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فومويلا ملامبونجوكا المؤتمر، مخاطبة النساء المشاركات في الجلسة الختامية بالقول: «أنتن تأخذن خطوة تاريخية. يوماً ما سيفرق التاريخ بين ما قبل إنشاء تحالفكن وما بعده. والفرق سيكون واضحاً. وبينما أقف هنا أمامكن، أرى فيكن زعيمات ووزيرات وقاضيات سوريا في المستقبل. أنتن القائدات هُنا». الدكتورة منى غانم، عضو المجلس الاستشاري النسائي، لفتت إلى أن الأمم المتحدة هي شريك وداعم للمبادرات النسائية السلمية، وليست ممولاً فقط. وأشارت إلى ضرورة التشبيك بين النساء السوريات على الأرض من أجل تحقيق السلام. وشجعت غانم النساء المبادرات على استمرار العمل بعد انتهاء المؤتمر، بهدف الوصول إلى أكبر عدد من النساء على الأرض. المعارضة السورية أمل نصر، عضو هيئة التنسيق، رأت أن المؤتمر نجح في استقطاب أكبر عدد ممكن من النساء السوريات، غير أن ممثلين عن جهات معارضة متطرفة في رفض الآخر لم تكن موجودة. يشار إلى أن معارضات انسحبن بعد اليوم الأول من المؤتمر، بذريعة مشاركة 80 امرأة من مناطق سيطرة الدولة السورية. في حين جاء الرد من القيّمين على المؤتمر، عبر عرض تجارب مشاركات من مناطق الإدارة الذاتية الكردية، إضافة إلى ناشطات من داريا والزبداني، وأخريات يعملن كناشطات في مخيمات اللاجئين، فضلاً عن لاجئات في دول أوروبية لدواعٍ سياسية وإنسانية، بعد صدور اتهامات في سوريا ضدهن بدعم الإرهاب. يأتي ذلك على الرغم من ظهور محاولات فردية للتركيز على أمجاد شخصية، خلال العرض النسوي للتجارب الخاصة.